تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٥١
على أن توجه العتاب عليهم لكونهم خصوه بأنفسهم وآثروها فيما خافوا حاجتها إليه على سبيل الله الذي به حياة المجتمع الانساني في الدنيا والآخرة، وقد خانوا الله ورسوله في ذلك من جهة أخرى وهى الستر والتغييب إذ لو كان ظاهرا جاريا على الأيدي كان من الممكن ان يأمره ولى الامر بانفاقه في حاجة دينية قائمة لكن إذا كنز كنزا وأخفى عن الانظار لم يلتفت إليه، وبقيت الحاجة الضرورية قائمة في جانب والمال المكنوز الذي هو الوسيلة الوحيدة لرفع الحاجة في جانب مع عدم حاجة من كنزه إليه.
فالآية انما تنهى عن الكنز لهذه الخصيصة التي هي إيثار الكانز نفسه بالمال من غير حاجة إليه على سبيل الله مع قيام الحاجة إليه، وناهيك أن الاسلام لا يحد أصل الملك من جهة الكمية بحد فلو كان لهذا الكانز أضعاف ما كنزه من الذهب والفضة ولم يدخرها كنزا بل وضعها في معرض الجريان يستفيد به لنفسه الوفا والوفا، ويفيد غيره ببيع أو شراء أو عمل وغير ذلك لم يتوجه إليه نهى ديني لأنه حيث نصبها على أعين الناس وأجراها في مجرى النماء الصالح النافع لم يخفها ولم يمنعها من أن يصرف في سبيل الله فهو وان لم ينفقها في سبيل الله إلا أنه بحيث لو أراد ولى أمر المسلمين لامره بالانفاق فيما يرى لزوم الانفاق فيه فليس هو إذا لم ينفق وهو بمراى ومسمع من ولى الامر بخائن ظلوم.
فالآية ناظرة إلى الكنز الذي يصاحبه الامتناع عن الانفاق في الحقوق المالية الواجبة لا بمعنى الزكاة الواجبة فقط بل بمعنى يعمها وغيرها من كل ما يقوم عليه ضرورة المجتمع الديني من الجهاد وحفظ النفوس من الهلكة ونحو ذلك.
وأما الانفاق المستحب كالتوسعة على العيال، واعطاء المال وبذله على الفقراء في الزائد على ضرورة حياتهم فهو وإن أمكن أن يطلق عليه فيما عندنا الانفاق في سبيل الله إلا أن نفس أدلته المبينة لاستحبابه تكشف عن أنه ليس من هذا الانفاق في سبيل الله المذكور في هذه الأيد فكنز المال وعدم إنفاقه انفاقا مندوبا مع عدم سبيل ضروري ينفق فيه ليس من الكنز المنهى عنه في هذه الآية فهذا ما تدل عليه الآية الكريمة، وقد طال فيها - لما يتعلق بها من بعض الأبحاث الكلامية - المشاجرة بين المفسرين، وسنورد فيه كلاما بعد الفراغ عن البحث الروائي المتعلق بالآيات إن شاء الله تعالى.
وقوله في ذيل الآية: (فبشرهم بعذاب أليم) إيعاد بالعذاب يدل على تحريمه الشديد.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست