تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٦٤
بعد الزكاة واجبا، وأنه يقسم الانفاق في سبيل الله إلى ما يجب وما ينبغي غير أنه يعترض بانقطاع سبيل الانفاق من غير جهة الزكاة وانسداد باب الخيرات بالكلية وفي ذلك إبطال غرض التشريع وإفساد المصلحة العامة المشرعة.
يقول: ليست هي حكومة استبدادية قيصرانية أو كسروانية، لا وظيفة لها إلا بسط الامن وكف الأذى بالمنع عن إيذاء بعض الناس بعضا ثم الناس أحرار فيما فعلوا غير ممنوعين عن ما اشتهوا من عمل أفرطوا أو فرطوا، اصلحوا أو أفسدوا، اهتدوا أو ضلوا وتاهوا، والمتقلد لحكومتهم حر فيما عمل ولا يسأل عما يفعل.
وإنما هي حكومة اجتماعية دينية لا ترضى عن الناس بمجرد كف الأذى بل تسوق الناس في جميع شؤون معيشتهم إلى ما يصلح لهم ويهيئ لكل من طبقات المجتمع من أميرهم ومأمورهم ورئيسهم ومرؤوسهم ومخدومهم وخادمهم وغنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم ما يسع له من سعادة حياتهم فترفع حاجة الغنى بإمداد الفقير وحاجة الفقير بمال الغنى وتحفظ مكانة القوى باحترام الضعيف وحياة الضعيف برأفة القوى ومراقبته، ومصدرية العالي بطاعة الدانى وطاعة الدانى بنصفه العالي وعدله، ولا يتم هذا كله إلا بنشر المبرات وفتح باب الخيرات، والعمل بالواجبات على ما يليق بها والمندوبات على ما يليق بها وأما القصر على القدر الواجب، وترك الانفاق المندوب من رأس فإن فيه هدما لأساس الحياة الدينية، وإبطالا لغرض الشارع، وسيرا حثيثا إلى نظام مختل وهرج ومرج وفساد عريق لا يصلحه شئ كل ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدين، والمداهنة مع الظالمين إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد كبير.
وكذلك قول أبي ذر لمعاوية فيما تقدم من رواية الطبري: (ما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والامر أمره قال: فلا تقله).
فإن الكلمة التي كان يقولها معاوية وعماله ومن بعده من خلفاء بنى أمية وإن كانت كلمة حق وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدل عليها كتاب الله لكنهم كانوا يستنتجون منه خلاف ما يريده الله سبحانه فان المراد به أن المال لا يختص به أحد بعزه أو قوة أو سيطرة وإنما هو لله ينفق في سبيله على حسب ما عينه من موارد
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست