تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٦٩
حينما كانوا يعبدون الأوثان غير أنهم ربما كانوا يحولون الحرمة من شهر إلى شهر سنة أو أزيد منها بالنسئ الذي تتعرض له الآية التالية.
وقوله: (ذلك الدين القيم)، الإشارة إلى حرمة الأربعة المذكورة، والدين كما تطلق على مجموع ما أنزله الله على أنبيائه تطلق على بعضها فالمعنى ان تحريم الأربعة من الشهور القمرية هو الدين الذي يقوم بمصالح العباد. كما يشير إليه في قوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام) الآية المائدة: 97 وقد تقدم الكلام فيه في الجزء السادس من الكتاب.
وقوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) الضمير إلى الأربعة إذ لو كان راجعا إلى (اثنا عشر) المذكور سابقا لكان الظاهر أن يقال (فيها) كما نقل عن الفراء، وأيضا لو كان راجعا إلى (اثنا عشر) وهى تمام السنة لكان قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) كما قيل في معنى قولنا: فلا تظلموا أبدا أنفسكم، وكان الكلام متفرعا على كون عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا، ولا تفرع له عليه ظاهرا فالمعنى لما كانت هذه الأربعة حرما تفرع على حرمتها عند الله أن تكفوا فيها عن ظلم أنفسكم رعاية لحرمتها وعظم منزلتها عند الله سبحانه.
فالنهي عن الظلم فيها يدل على عظم الحرمة وتأكدها لتفرعها على حرمتها أولا ولأنها نهى خاص بعد النهى العام كما يفيده قولنا: لا تظلم أبدا ولا تظلم في زمان كذا.
والجملة أعني قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) وإن كانت بحسب إطلاق لفظها نهيا عن كل ظلم ومعصية لكن السياق يدل على كون المقصود الأهم منها النهى عن القتال في الأشهر الحرم.
قوله تعالى: (و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) قال الراغب في المفردات: الكف كف الانسان وهى ما بها يقبض ويبسط، وكففته أصبت كفه، وكففته أصبته بالكف ودفعته بها، وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان، بالكف كان أو غيرها حتى قيل: رجل مكفوف لمن قبض بصره.
وقوله: وما أرسلناك إلا كافة للناس أي كافا لهم عن المعاصي، والهاء فيه للمبالغة كقولهم: راوية وعلامة ونسابة، وقوله: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»
الفهرست