تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٧١
الله من فعله ثلاثا (1)، وقتل أسامة يهوديا أظهر له الاسلام فنزل قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) النساء: 94 وقد تقدم.
قوله تعالى: (إنما النسئ زيادة في الكفر) إلى آخر الآية يقال: نسا الشئ ينسؤه نسا ومنساة ونسيئا إذا اخره تأخيرا، وقد يطلق النسئ على الشهر الذي اخر تحريمه على ما كانت العرب تفعله في الجاهلية فإنهم ربما كانوا يؤخرون حرمة بعض الأشهر الحرم إلى غيره وأما انه كيف كان ذلك فقد اختلف فيه كلام المفسرين كاهل التاريخ.
و الذي يظهر من خلال الكلام المسرود في الآية أنه كانت لهم فيما بينهم سنة جاهلية في أمر الأشهر الحرم وهى المسماة بالنسئ، وهو يدل بلفظه على تأخير الحرمة من شهر حرام إلى بعض الشهور غير المحرمة الذي بعده، وانهم انما كانوا يؤخرون الحرمة ولا يبطلونها برفعها من أصلها لارادتهم بذلك ان يتحفظوا على سنة قومية ورثوها عن أسلافهم عن إبراهيم عليه السلام.
فكانوا لا يتركون أصل التحريم لغى و إنما يؤخرونه إلى غير الشهر سنة أو أزيد ليواطئوا عدة ما حرم الله، وهى الأربعة ثم يعودون ويعيدون الحرمة إلى مكانها الأول.
وهذا نوع تصرف في الحكم الإلهي بعد كفرهم بالله باتخاذ الأوثان شركاء له تعالى وتقدس، ولذا عده الله سبحانه في كلامه زيادة في الكفر.
وقد ذكر الله سبحانه من الحكم الخاص بحرمة الأشهر الحرم النهى عن ظلم الأنفس حيث قال: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) واظهر مصاديقه القتال كما أنه المصداق الوحيد الذي استفتوا فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحكاه الله سبحانه بقوله: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) الآية البقرة: 217 وكذا ما في معناه من قوله: (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) المائدة: 2 وقوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس و الشهر الحرام والهدى والقلائد) المائدة: 97.
وكذلك الأثر الظاهر من حرمة البيت أو الحرم هو جعل الامن فيه كما قال:
(ومن دخله كان آمنا) آل عمران: 97 وقال: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) القصص: 57.
فالظاهر أن النسئ الذي تذكره الآية عنهم إنما هو تأخير حرمة الشهر الحرام.

(1) القصتان الأوليان مذكورتان في كتب السير والمغازي والثالثة تقدمت في تفسير الآية سابقا.
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست