تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٨٢
الذين كفروا السفلى) الآية مترتبا على ما تقدمه من الفرعين لئلا يلزم التفكيك في السياق.
ولا يخفى عليك أن هذا الذي التزموا به يخرج الآية عن مستقر معناها الوحداني إلى معنى متهافت الأطراف يدفع آخره أوله، وينقض ذيله صدره فقد بدأت الآية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكرم على الله وأعز من أن يستذله ويحوجه إلى نصرة هؤلاء بل هو تعالى وليه القائم بنصره حيث لم يكن أحد من هؤلاء الحافين حوله المتبعين أثره ثم إذا شرعت في بيان نصره تعالى إياه بين نصره غيره بإنزال السكينة عليه وتأييده بجنود لم يروها إلى آخر الآية.
هب أن نصره تعالى بعض المؤمنين به صلى الله عليه وآله وسلم أو جميعهم نصر منه له بالحقيقة لكن الآية في مساق يدفعه البتة فإن الآية السابقة يجمع المؤمنين في خطاب واحد - يا أيها الذين آمنوا - ويعاتبهم ويهددهم على التثاقل عن إجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما أمرهم به من النفر في سبيل الله والخروج إلى الجهاد ثم الآية الثانية تهددهم بالعذاب والاستبدال إن لم ينفروا وتبين لهم أن الله ورسوله في غنى عنهم ولا يضرونه شيئا، ثم الآية الثالثة توضح ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غنى عن نصرهم لان ربه هو وليه الناصر له، وقد نصره حيث لم يكن لاحد منهم صنع فيه وهو نصره إياه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا.
ومن البين الذي لا مرية فيه ان مقتضى هذا المقام بيان نصره صلى الله عليه وآله وسلم الخاص به المتعلق بشخصه من الله سبحانه خاصة من دون صنع لاحد من المؤمنين في ذلك لا بيان نصره إياه بالمؤمنين أو ببعضهم وقد جمعهم في خطاب المعاتبة، ولا بيان نصره بعض المؤمنين به ممن كان معه.
ولا أن المقام مقام يصلح لان يشار بقوله: (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين) إشارة إجمالية إلى نصره العزيز لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم يؤخذ في تفصيل ما خص به صاحبه من الخصيصة بإنزال السكينة والتأييد بالجنود فإن المقام على ما تبين لك يأبى ذلك.
ويدفعه ثالثا: أن فيه غفلة عن حقيقة معنى السكينة وقد تقدم الكلام فيها في ذيل قوله تعالى: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) الآية: 26 من السورة.
والامر الثاني: أن المراد بتأييده صلى الله عليه وآله وسلم بجنود لم يروها تأييده بذلك يومئذ على
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست