تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٥٧
حضرة القتال يقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار).
وفي الفقيه والعلل بإسناده عن ابن شاذان: ان أبا الحسن الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة، وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية وإظهار العدل، وترك الجور وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين، وما يكون في ذلك من السبى والقتل وإبطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد.
أقول: وقد استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ان الفرار من الزحف من المعاصي الكبيرة الموبقة، وقد تقدم طرف منها في البحث عن الكبائر في تفسير قوله تعالى: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) النساء: 31 في الجزء الرابع من الكتاب.
وعلى ذلك روايات من طرق أهل السنة كما في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟
قال: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وهناك روايات أخرى عن ابن عباس وغيره تدل على كون الفرار من الزحف من الكبائر.
نعم قوله تعالى: (اليوم خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) الآية يقيد إطلاق آية تحريم الفرار بما دون الثلاثة لواحد.
وقد روى من طرقهم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن عباس وأبي هريرة وأبى سعيد الخدري وغيرهم كما في الدر المنثور: ان تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية خاص بيوم بدر.
وربما وجه ذلك بأن الآية نزلت يوم بدر، وأن الظرف في قوله (ومن يولهم يومئذ دبره) إشارة إلى يوم بدر، وقد عرفت ان سياق الآيات يشهد بنزولها بعد يوم بدر، وأن المراد بقوله: (يومئذ) هو يوم الزحف لا يوم بدر. على أنه لو
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست