تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٥٤
والسياق يدل على أن المراد بقوله: (إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) الزمان الذي كان المسلمون محصورين بمكة قبل الهجرة وهم قليل مستضعفون، وبقوله:
تخافون ان يتخطفكم الناس) مشركوا العرب وصناديد قريش، وبقوله (فآواكم) أي بالمدينة وبقوله (وأيدكم بنصره) ما أسبغ عليهم من نعمة النصر ببدر، وبقوله:
(ورزقكم من الطيبات) ما رزقهم من الغنائم وأحلها لهم.
وما عده في الآية من أحوال المؤمنين ومننه عليهم بالايواء وإن كانت مما يختص بالمهاجرين منهم دون الأنصار إلا ان المراد الامتنان على جميعهم من المهاجرين والأنصار فإنهم أمة واحدة يوحدهم دين واحد. على أن فيما ذكره الله في الآية من مننه التأييد بالنصر والرزق من الطيبات وهما يعمان الجميع، هذا بحسب ما تقتضيه الآية من حيث وقوعها في سياق آيات بدر، ولكن هي وحدها وباعتبار نفسها تعم جميع المسلمين من حيث إنهم أمة واحدة يرجع لاحقهم إلى سابقهم فقد بدأ ظهور الاسلام فيهم وهم قليل مستضعفون بمكة يخافون ان يتخطفهم الناس فآواهم بالمدينة وكثرهم بالأنصار وأيدهم بنصره في بدر وغيره ورزقهم من جميع الطيبات الغنائم وغيرها من سائر النعم لعلهم يشكرون.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) آخر الآيتين. الخيانة نقض الأمانة التي هي حفظ الامن لحق من الحقوق بعهد أو وصية ونحو ذلك، قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد إلا ان الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر، ونقيض الخيانة الأمانة يقال: خنت فلانا، وخنت أمانة فلان وعلى ذلك قوله: لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم. انتهى.
وقوله: (وتخونوا أماناتكم) من الجائز ان يكون مجزوما معطوفا على تخونوا السابق، والمعنى: ولا تخونوا أماناتكم، وأن يكون منصوبا بحذف أن والتقدير:
وأن تخونوا أماناتكم ويؤيد الوجه الثاني قوله بعده: (وأنتم تعلمون).
وذلك أن الخيانة وإن كانت إنما يتعلق النهى التحريمي بها عند العلم فلا نهى مع جهل بالموضوع ولا تحريم غير أن العلم من الشرائط العامة التي لا ينجز تكليف من التكاليف المولوية إلا به فلا نكتة ظاهرة في تقييد النهى عن الخيانة بالعلم مع
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست