تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٥٢
انطباق وقد انهدمت بها الوحدة الدينية، وبدت الفرقة ونفدت القوة، وذهبت الشوكة على ما اشتملت عليه من القتل والسبي والنهب وهتك الاعراض والحرمات وهجر الكتاب وإلغاء السنة، وقال الرسول: يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
ومن شمول مشأمتها وتعرق فسادها ان الامه لا تستطيع الخروج من أليم عذابها حتى بعد التنبه منهم لسوء فعالهم وتفريطهم في جنب الله كلما أرادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق.
وقد تفطن بعض المفسرين بأن الآية تحذر الأمة وتهددهم بفتنه تشمل عامتهم وتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وتوعدهم بعذاب الله الشديد، وقد أحسن التفطن غير أنه تكلف في توجيه العذاب بالعذاب الدنيوي، وتمحل في تقييد ما في الآية من إطلاق العقاب، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.
ولنرجع إلى لفظ الآية:
أما على قراءة أهل البيت عليه السلام وزيد: و (اتقوا فتنة لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فاللام في (لتصيبن) للقسم والنون الثقيلة لتأكيده، والتقدير:
واتقوا فتنة أقسم لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، وخاصة حال من الفتنة، والمعنى اتقوا فتنة تختص إصابته بالذين ظلموا منكم أيها المخاطبون وهم الذين آمنوا، وعليك ان تتذكر ما سلف بيانه ان لفظ: (الذين آمنوا) في القرآن خطاب تشريفي للمؤمنين في أول البعثة وبدء انتشار الدعوة لولا قرينة صارفة عن ذلك، ثم تذكر ان فتن صدر الاسلام تنتهى إلى أصحاب بدر، والآية على أي حال يأمر الجميع ان يتقوا فتنة تثيرها بعضهم، وليس إلا لان أثرها السئ يعم الجميع كما تقدم.
وأما على قراءة المشهور: (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فقد ذكروا: ان لا في (لا تصيبن) ناهية والنون لتأكيد النهى، وليس (لا تصيبن) جوابا للامر في (اتقوا) بل الكلام جار مجرى الابتداء والاستيناف كقوله تعالى:
(يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) النمل: 18 فقد قال اولا: (واتقوا فتنة) ثم استأنف وقال: (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) لاتصال الجملتين معنى.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست