تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٥٦
فان ظاهر السياق انه متصل بما قبله غير مستقل عنه، ويفيد حينئذ ان موعظتهم في أمر الأموال والأولاد مع النهى عن خيانة الله والرسول وأماناتهم انما هو لاخبار المخبر منهم المشركين بأسرار رسول الله المكتومة، استمالة منهم مخافة ان يتعدوا على أموالهم وأولادهم الذين تركوهم بمكة بالهجرة إلى المدينة، فصاروا يخبرونهم بالاخبار إلقاء للمودة واستبقاء للمال والولد أو ما يشابه ذلك نظير ما كان من أبى لبابة مع بني قريظة.
وهذا يؤيد ما ورد في سبب النزول ان ابا سفيان خرج من مكة بمال كثير فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه وأشار عليه بالخروج إليه وكتمان أمره فكتب إليه بعضهم بالخبر فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) وفي نزول الآية بعض أحاديث أخر سيأتي إن شاء الله في البحث الروائي التالي.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الفرقان ما يفرق به بين الشئ والشئ، وهو في الآية بقرينة السياق وتفريعه على التقوى الفرقان بين الحق والباطل سواء كان ذلك في الاعتقاد بالتفرقة بين الايمان والكفر وكل هدى وضلال أو في العمل بالتمييز بين الطاعة والمعصية وكل ما يرضى الله أو يسخطه، أو في الرأي والنظر بالفصل بين الصواب والخطأ فان ذلك كله مما تثمره شجرة التقوى، وقد اطلق الفرقان في الآية ولم يقيده وقد عد جمل الخير والشر في الآيات السابقة والجميع يحتاج إلى الفرقان.
ونظير الآية بحسب المعنى قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقد تقدم الكلام في معنى تكفير السيئات والمغفرة، والآية بمنزلة تلخيص الكلام في الأوامر والنواهي التي تتضمنها الآيات السابقة أي ان تتقوا الله لم يختلط عندكم ما يرضى الله في جميع ما تقدم بما يسخطه ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم.
(بحث روائي) في الكافي بإسناده عن عقيل الخزاعي: ان أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضلال، ضلال في الدين وسلب للدنيا مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست