تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٩
القتل بأطرافها إلى سبب إلهي غير عادى، ولا ينافي ذلك استنادها بما وقع فيها من الوقائع إلى أسبابها القريبة المعهودة في الطبيعة بأن يعد المؤمنون قاتلين لمن قتلوا منهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم راميا لما رماه من الحصاة.
وقوله: (وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا) الظاهران ضمير (منه) راجع إلى الله تعالى، والجملة لبيان الغاية وهى معطوفة على مقدر محذوف، والتقدير: إنما فعل الله ما فعل من قتلهم ورميهم لمصالح عظيمة عنده، وليبلى المؤمنين ويمتحنهم بلاء وامتحانا حسنا أو لينعم عليهم بنعمة حسنة، وهو إفناء خصمهم وإعلاء كلمة التوحيد بهم وإغناؤهم بما غنموا من الغنائم.
وقوله: (ان الله سميع عليم) تعليل لقوله: (وليبلى المؤمنين) أي إنه تعالى يبليهم لأنه سميع باستغاثتهم عليم بحالهم فيبليهم منه بلاء حسنا.
والتفريع الذي في صدر الآية: (فلم تقتلوهم) الخ متعلق بما يتضمنه الآيات السابقة: (إذ تستغيثون ربكم) إلى آخر الآيات من المعنى، فإنها تعد منن الله عليهم من انزال الملائكة وامدادهم بهم وتغشيه النعاس إياهم وامطار السماء عليهم وما أوحى إلى الملائكة من تأييدهم وتثبيت أقدامهم والقاء الرعب في قلوب أعدائهم، فلما بلغ الكلام هذا المبلغ فرع عليه قوله: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وعلى هذا فقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم) إلى قوله و (بئس المصير) معترضة متعلقة بقوله: (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) أو بمعناه المفهوم من الجمل المسرودة، وقوله: (فلم تقتلوهم) الخ متصل بما قبله بحسب النظم.
وربما يذكر في نظم الآية وجهان آخران:
أحدهما: ان الله سبحانه لما أمرهم بالقتل في الآية المتقدمة ذكر عقيبها ان ما كان من الفتح يوم بدر وقهر المشركين انما كان بنصرته ومعونته تذكيرا للنعمة.
ذكره أبو مسلم.
والثاني: انهم لما أمروا بالقتال ثم كان بعضهم يقول: أنا قتلت فلانا وأنا فعلت كذا نزلت الآية على وجه التنبيه لهم لئلا يعجبوا بأعمالهم. وربما قيل: ان الفاء في
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست