تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١١٥
معا برهة من الدهر إلا وينشب بينهما الخلاف ويؤدى ذلك إلى التغلب والقهر.
فالحروب المبيدة والاختلافات الداعية إليها مما لا مناص عنها في المجتمعات الانسانية والمجتمعات هي هذه المجتمعات، ويدل على ذلك ما نشاهده من تجهز الانسان في خلقه بقوى لا يستفاد منها إلا للدفاع كالغضب والشدة في الأبدان، والفكر العامل في القهر والغلبة، فمن الواجب الفطري على المجتمع الاسلامي أن يتجهز دائما بإعداد ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل بحسب ما يفترضه من عدو لمجتمعه الصالح.
والذي اختاره الله للمجتمع الاسلامي بما أنزل عليهم من الدين الفطري الذي هو الدين القيم هي الحكومة الانسانية التي يحفظ فيها حقوق كل فرد من أفراد مجتمعها، ويراعى فيها مصلحة الضعيف والقوى والغنى والفقير والحر والعبد والرجل والمرأة والفرد والجماعة والبعض والكل على حد سواء دون الحكومة الفردية الاستبدادية التي لا تسير إلا على ما تهواه نفس الفرد المتولي لها الحاكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم بما شاء وأراد، ولا الحكومة الأكثرية التي تطابق أهواء الجمهور من الناس وتبطل منافع آخرين وترضى الأكثرين (النصف + واحد) وتضطهد وتسخط الأقلين (النصف - واحد).
ولعل هذا هو السر في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) حيث وجه الخطاب إلى الناس بعد ما كان الخطاب في الآيات السابقة موجها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كقوله:
(فاما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) وقوله: (فانبذ إليهم على سواء) وقوله:
(ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا) وكذا في الآيات التالية كقوله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) إلى غير ذلك.
وذلك أن الحكومة الاسلامية حكومة إنسانية بمعنى مراعاة حقوق. كل فرد وتعظيم إرادة البعض واحترام جانبه أي من كان من غير اختصاص الإرادة المؤثرة بفرد واحد أو بأكثر الافراد.
فالمنافع التي يهددها عدوهم هي منافع كل فرد فعلى كل فرد ان يقوم بالذب عنها، ويعد ما استطاع من قوة لحفظها من الضيعة، والاعداد وان كان منه ما لا يقوم بأمره إلا الحكومات بما لها من الاستطاعة القوية والامكانات البالغة لكن منها ما يقوم بالافراد بفرديتهم كتعلم العلوم الحربية والتدرب بفنونها فالتكليف تكليف الجميع.
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست