تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١١٦
وقوله تعالى: (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) في مقام التعليل لقوله: (وأعدوا لهم) أي وأعدوا لهم ذلك لترهبوا وتخوفوا به عدو الله وعدوكم، وفي عدهم عدوا لله ولهم جميعا بيان للواقع وتأكيد في التحريض.
وفي قوله: (وآخرين من دونهم) لا تعلمونهم) دلالة على أن المراد بالأولين هم الذين يعرفهم المؤمنون بالعداوة لله ولهم، والمراد بهؤلاء الذين لا يعلمهم المؤمنون - على ما يعطيه إطلاق اللفظ - كل من لا خبرة للمؤمنين بتهديده إياهم بالعداوة من المنافقين الذين هم في كسوة المؤمنين وصورتهم يصلون ويصومون ويحجون ويجاهدون ظاهرا، ومن غير المنافقين من الكفار الذين لم يبتل بهم المؤمنون بعد.
والارهاب باعداد القوة، وان كان في نفسه من الأغراض الصحيحة التي تتفرع عليها فوائد عظيمة ظاهرة غير أنه ليس تمام الغرض المقصود من إعداد القوة، ولذلك أردفه بقوله: (وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) ليدل على جماع الغرض.
وذلك أن الغرض الحقيقي من إعداد القوى هو التمكن من الدفع مبلغ الاستطاعة، وحفظ المجتمع من العدو الذي يهدده في نفوسه وأعراضه وأمواله، وباللفظ المناسب لغرض الدين إطفاء نائرة الفساد الذي يبطل كلمة الحق ويهدم بنيان دين الفطرة الذي به يعبد الله في أرضه ويقوم ملاك العدل في عباده.
وهذا أمر ينتفع به كل فرد من أفراد المجتمع الديني فما أنفقه فرد أو جماعة في سبيل الله، وهو الجهاد لاحياء أمره فهو بعينه يرجع إلى نفسه وان كان في صورة أخرى فان أنفق في سبيله مالا أو جاها أو اي نعمة من هذا القبيل فهو من الانفاق في سبيل الضروريات الذي لا يلبث دون ان يرجع إليه نفسه نفعه وما استعقبه من نماء في الدنيا والآخرة، وان أنفق في سبيله نفسا فهو الشهادة في سبيل الله التي تستتبع حياة باقية خالدة حقة لمثلها فليعمل العاملون لا كما يغر به آحاد الفادين في سبيل المقاصد الدنيوية ببقاء الاسم وخلود الذكر وتمام الفخر فهؤلاء وان تنبهوا اليوم لهذا التعليم الاسلامي، وأن المجتمع كنفس واحدة تشترك أعضاؤها فيما يعود إليها من نفع وضرر لكنهم خبطوا في مسيرهم واشتبه عليهم الامر في تشخيص الكمال الانساني الذي لأجله تندبه الفطرة وتدعوه إلى الاجتماع، وهو التمتع من الحياة الدائمة، فحسبوه الحياة الدنيا
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست