تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١١٤
وملخص الآيتين دستوران إلهيان في قتال الذين لا عهد لهم بالنقض أو بخوفه فان كان أهل العهد من الكفار لا يثبتون على عهدهم بنقضه في كل مرة فعلى ولى الامر ان يقاتلهم ويشدد عليهم، وإن كانوا بحيث يخاف من خيانتهم ولا وثوق بعهدهم فيعلمون إلغاء عهدهم ثم يقاتلون ولا يبدأ بقتالهم قبل الاعلام فإنما ذلك خيانة، وأما إن كانوا عاهدوا ولم ينقضوا ولم يخف خيانتهم فمن الواجب حفظ عهدهم واحترام عقدهم وقد قال تعالى: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) التوبة: 4. وقال: (أوفوا بالعقود) المائدة: 1.
قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا انهم لا يعجزون) القراءة المشهورة (تحسبن) بتاء الخطاب، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تطييبا لنفسه وتقوية لقلبه كالخطاب الآتي بعد عدة آيات: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وكالخطاب الملقى بعده لتحريض المؤمنين: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال).
والسبق تقدم الشئ على طالب اللحوق به، والاعجاز إيجاد العجز، وقوله:
(انهم لا يعجزون) تعليل لقوله: (ولا تحسبن) الخ، والمعنى: يا أيها النبي لا تحسبن ان الذين كفروا سبقونا فلا ندركهم، لانهم لا يعجزون الله وله القدرة على كل شئ.
قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل). إلى آخر الآية الاعداد تهيئة الشئ للظفر بشئ آخر وإيجاد ما يحتاج إليه الشئ المطلوب في تحققه كإعداد الحطب والوقود للايقاد وإعداد الايقاد للطبخ، والقوة كل ما يمكن معه عمل من الأعمال، وهى في الحرب كل ما يتمشى به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدربين والمعاهد الحربية التي تقوم بمصلحة ذلك كله، والرباط مبالغة في الربط وهو أيسر من العقد يقال: ربطه يربطه ربطا ورابطه يرابطه مرابطة ورباطا فالكل بمعنى غير أن الرباط أبلغ من الربط، والخيل هو الفرس، والارهاب قريب المعنى من التخويف.
وقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) أمر عام بتهيئة المؤمنين مبلغ استطاعتهم من القوى الحربية ما يحتاجون إليه قبال ما لهم من الأعداء في الوجود أو في الفرض والاعتبار فان المجتمع الانساني لا يخلو من التألف من أفراد أو أقوام مختلفي الطباع ومتضادي الأفكار لا ينعقد بينهم مجتمع على سنة قيمة ينافعهم إلا وهناك مجتمع آخر يضاده في منافعه، ويخالفه في سنته، ولا يعيشان
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست