تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١١٨
قوله تعالى: (وإن يريدوا ان يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين الآية متصلة بما قبلها وهى بمنزلة دفع الدخل، وذلك أن الله سبحانه لما أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالجنوح للسلم ان جنحوا له ولم يرض بالخديعة لأنها من الخيانة في حقوق المعاشرة والمواصلة للعامة والله لا يحب الخائنين كان امره بالجنوح المذكور مظنة سؤال وهو ان من الجائز ان يكون جنوحهم للسلم خديعة منهم يضلون بها المؤمنين ليغيروا عليهم في شرائط وأحوال مناسبة فأجاب سبحانه بأنا امرناك بالتوكل فإن أرادوا بذلك ان يخدعوك فإن حسبك الله وقد قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ امره).
وهذا مما يدل على أن هناك أسبابا وراء ما ينكشف لنا من الأسباب الطبيعية العادية تجرى على ما يوافق صلاح العبد المتوكل إذا خانته الأسباب الطبيعية العادية ولم تساعده على مطلوبه الحق.
وقوله: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) بمنزلة الاحتجاج على قوله: (فإن حسبك الله) بذكر شواهد تدل على كفايته تعالى وهى انه أيده بنصره وأيده بالمؤمنين وألف بين قلوبهم وهى شئ متباغضة.
قوله تعالى: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) الخ، قال الراغب: الألف اجتماع مع التيام يقال:
ألفت بينهم، ومنه الألفة ويقال: للمألوف إلف وآلف قال تعالى (إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) انتهى.
أورد سبحانه في جملة ما استشهد على كفايته لمن توكل عليه انه كفى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بتأليف قلوب المؤمنين بعد ذكر تأييده بهم، والكلام مطلق والملاك المذكور فيه عام يشمل جميع المؤمنين وإن كانت الآية أظهر انطباقا على الأنصار حيث أيد الله بهم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فآووه ونصروه وألف الله سبحانه بدينه بينهم أنفسهم وقد نشبت فيهم الحروب المبيدة وكانت قائمة على ساقها دهرا طويلا وهى حرب (بغاث) بين الأوس والخزرج حتى اصطلحوا بنزول الاسلام في دارهم وأصبحوا بنعمته إخوانا.
وقد أمتن الله بتأليفه بين قلوب المسلمين في مواضع من كلامه وبين أهمية موقعه
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست