تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٣٠٣
لأنه أريد فرد من أفرادها، وهي الحياة المتطاولة، وقرئ باللام.
ومن الذين أشركوا يود أحدهم: محمول على المعنى، فكأنه قال: أحرص من الناس ومن الذين أشركوا، وإفرادهم بالذكر للمبالغة، فإن حرصهم شديد، إذ لم يعرفوا إلا الحياة العاجلة، والزيادة في التوبيخ والتقريع فإنه لما زاد حرصهم وهو مقرون بالجزاء على حرص المنكرين، دل ذلك على علمهم بأنهم صائرون إلى النار.
ويجوز أن يراد: وأحرص من الذين أشركوا، فحذف لدلالة الأول عليه، وأن يكون خبرا مبتدأ محذوف صفته (يود أحدهم) على أنه أريد بالذين أشركوا اليهود، لأنهم قالوا: " عزير ابن الله "، أي ومنهم ناس يود أحدهم، وهو على الأولين بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف.
لو يعمر ألف سنة: حكاية لودادتهم، و (لو) بمعنى ليت، وكان أصله لو أعمر، فأجري على الغيبة لقوله تعالى: " يود " كقولك: " حلف بالله ليفعلن ".
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر: الضمير لأحدهم، و (أن يعمر) فاعل مزحزحه، أي وما أحدهم ممن يزحزحه من النار تعميره، أو لما دل عليه يعمر، و أن يعمر بدل، أو مبهم وأن يعمر موضحه.
وأصل (سنة) سنوة، لقولهم سنوات، وقيل: سنهة كجبهة لقولهم سانهة، و تسنه النخل إذا أتت عليه السنوات، والزحزحة: التبعيد.
والله بصير بما يعملون: فيجازيهم.
وفي هذه الآية دلالة على أن الحرص على طول البقاء لطلب الدنيا ونحوه مذموم، وإنما المحمود طلب البقاء للازدياد في الطاعة، وتلافي الفائت بالتوبة والإنابة، ودرك السعادة بالاخلاص في العبادة، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله: بقية عمر المؤمن لا قيمة له، يدرك بها ما فات، ويحيي بها ما أمات (1).

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 166، ذيل الآية 96، من سورة البقرة.
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»
الفهرست