فينظروا إلى ما بين أيديهم من الطريق فيعرفوها ويميزوها من غيرها. وتنكير قوله: " أغلالا " للتفخيم والتهويل. والآية في مقام التعليل لقوله السابق: * (فهم لا يؤمنون) *.
قوله تعالى: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) * السد الحاجز بين الشيئين، وقوله: * (من بين أيديهم ومن خلفهم) * كناية عن جميع الجهات، والغشي والغشيان التغطية يقال: غشيه كذا أي غطاه، وأغشى الأمر فلانا أي جعل الأمر يغطيه، والآية متممة للتعليل السابق، وقوله: * (جعلنا) * معطوف على * (جعلنا) * المتقدم.
وعن الرازي في تفسيره في معنى التشبيه في الآيتين: أن المانع عن النظر في الآيات قسمان:
قسم يمنع عن النظر في الأنفس فشبه ذلك بالغل الذي يجعل صاحبه مقمحا لا يرى نفسه ولا يقع بصره على بدنه، وقسم يمنع عن النظر في الآفاق فشبه ذلك بالسد المحيط، إن المحاط بالسد لا يقع نظره على الآفاق فلا يظهر له ما فيها من الآيات، فمن ابتلي بهما حرم عن النظر بالكلية.
ومعنى الآيتين أنهم لا يؤمنون لأنا جعلنا في أعناقهم أغلالا نشد بها أيديهم على أعناقهم فهي إلى الأذقان فهم مرفوعة رؤوسهم باقون على تلك الحال، وجعلنا من جميع جهاتهم سدا فجعلناه يغطيهم فهم لا يبصرون فلا يهتدون، ففي الآيتين تمثيل لحالهم في حرمانهم من الاهتداء إلى الإيمان وتحريمه تعالى عليهم ذلك جزاء لكفرهم وغوايتهم وطغيانهم في ذلك.
وقد تقدم في قوله تعالى: * (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا) * (1) في الجزء الأول من الكتاب أن ما وقع في القرآن الكريم من هذه الأوصاف ونظائرها التي وصف بها المؤمنون والكفار يكشف عن حياة أخرى للإنسان في باطن هذه الحياة الدنيوية مستورة عن الحس المادي ستظهر له إذا انكشفت الحقائق بالموت أو البعث، وعليه فالكلام في أمثال هذه الآيات جار في مجرى الحقيقة دون المجاز كما عليه القوم (2).
(انظر) الكفر: باب 3449.
[3610] مثل المشرك الكتاب * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) * (3).
* (حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) * (4).
* (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * (5).