والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) * (1) والآية - كما ترى - تحاذي أول سورة الملك المنقول آنفا.
فقد بان أن المراد بإراءة إبراهيم ملكوت السماوات والأرض - على ما يعطيه التدبر في سائر الآيات المربوطة بها - هو توجيهه تعالى نفسه الشريفة إلى مشاهدة الأشياء من جهة استناد وجودها إليه، وإذ كان استنادا لا يقبل الشركة لم يلبث دون أن حكم عليها أن ليس لشئ منها أن يرب غيره ويتولى تدبير النظام وأداء الأمور، فالأصنام تماثيل عملها الإنسان وسماها أسماء لم ينزل الله عليها من سلطان، وما هذا شأنه لا يرب الإنسان ولا يملكه وقد عملته يد الإنسان، والأجرام العلوية كالكوكب والقمر والشمس تتحول عليها الحال فتغيب عن الإنسان بعد حضورها، وما هذا شأنه لا يكون له الملك وتولي التدبير تكوينا كما سيجئ بيانه.
قوله تعالى: * (وليكون من الموقنين) * اللام للتعليل، والجملة معطوفة على أخرى محذوفة، والتقدير: ليكون كذا وكذا وليكون من الموقنين.
واليقين هو العلم الذي لا يشوبه شك بوجه من الوجوه، ولعل المراد به أن يكون على يقين بآيات الله على حد ما في قوله: * (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) * (2) وينتج ذلك اليقين بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا.
وفي معنى ذلك ما أنزله في خصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا) * (3) وقال: * (ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * (4) وأما اليقين بذاته المتعالية فالقرآن يجله تعالى أن يتعلق به شك أو يحيط به علم، وإنما يسلمه تسليما.
وقد ذكر في كلامه تعالى من خواص العلم اليقيني بآياته تعالى انكشاف ما وراء ستر الحس من حقائق الكون على ما يشاء الله تعالى، كما في قوله: * (كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم) * (5) وقوله: * (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون) * (6).
[3714] حجب الملكوت - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في ليلة الإسراء -: فلما نزلت وانتهيت إلى سماء الدنيا نظرت أسفل مني، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: وهذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت