الخلق (الأعراف: 69) اولي قوة وبطش شديد (فصلت: 15، الشعراء: 130) وكان لهم تقدم ورقي في المدنية والحضارة، لهم بلاد عامرة وأراض خصبة ذات جنات ونخيل وزروع ومقام كريم (الشعراء وغيرها)، وناهيك في رقيهم وعظيم مدنيتهم قوله تعالى في وصفهم:
* (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد) * (1).
لم يزل القوم يتنعمون بنعمة الله حتى غيروا ما بأنفسهم، فتعرقت فيهم الوثنية وبنوا بكل ريع آية يعبثون، واتخذوا مصانع لعلهم يخلدون، وأطاعوا طغاتهم المستكبرين، فبعث الله إليهم أخاهم هودا يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إلى أن يعبدوا الله ويرفضوا الأوثان ويعملوا بالعدل والرحمة (الشعراء: 130) فبالغ في وعظهم وبث النصيحة فيهم، وأنار الطريق وأوضح السبيل، وقطع عليهم العذر، فقابلوه بالإباء والامتناع، وواجهوه بالجحد والإنكار، ولم يؤمن به إلا شرذمة منهم قليلون، وأصر جمهورهم على البغي والعناد، ورموه بالسفه والجنون، وألحوا عليه بأن ينزل عليهم العذاب الذي كان ينذرهم ويتوعدهم به، قال: * (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون) * (2).
فأنزل الله عليهم العذاب وأرسل إليهم الريح العقيم ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم (الذاريات: 42) ريحا صرصرا في أيام نحسات سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية (الحاقة: 7) وكانت تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر (القمر: 20).
وكانوا بادئ ما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم استبشروا وقالوا: عارض ممطرنا، وقد أخطأوا، بل كان هو الذي استعجلوا به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم (الأحقاف: 25)، فأهلكهم الله عن آخرهم وأنجى هودا والذين آمنوا معه برحمة منه (هود: 58).
2 - شخصية هود المعنوية:
وأما هود (عليه السلام) فهو من قوم عاد وثاني الأنبياء الذين انتهضوا للدفاع عن الحق ودحض الوثنية ممن ذكر الله قصته وما قاساه من المحنة والأذى في جنب الله سبحانه، وأثنى عليه بما أثنى على رسله الكرام وأشركه بهم في جميل الذكر عليه سلام الله (3).