مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٧ - الصفحة ١١٩
بالطريق هدم عليه وإلا فلا، وهو المشار إليه ب " لو " في قوله ولو لم يضر. وفهم من كلام المصنف أن الخلاف المذكور إنما هو بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا يجوز البناء بلا خلاف وهو كذلك، وكذلك فهم من كلامه أنه لو كان البناء مضرا بالطريق لهدم عليه بلا خلاف وهو كذلك أيضا كما ستقف عليه في كلامهم. قال في العتبية في كتاب السلطان في سماع عبد الملك الملقب بزونان وسألته عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين، فإذا بنى جدارا وأنفق عليه وجعله بيتا قام عليه جاره الذي هو مقابله من جانب الطريق، فأنكر عليه ما تزيد ورفعه إلى السلطان وأراد أن يهدم ما تزيد من الطريق وزعم أن سعة الطريق كان رفقا به لان ذلك كان فناء له ومربطا لدابته، وفي بقية الطريق ممر للناس وكان فيما بقي من سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة، هل لذلك الجار إلى هدم بنيان جاره الذي بنى سبيل، أو رفع ذلك بعض من كان يسلك تلك الطريق وفي بقية سعته ما قد أعلمتك؟ فقال: يهدم ما بنى، وإن كان في سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة لا ينبغي لاحد التزيد من طريق المسلمين، وينبغي للقاضي أن يقدم في ذلك إلى الناس وينهى إليهم أن لا يحدث أحد بنيانا في طريق المسلمين. وذكر أن عثمان بن الحكم الخزاعي حدثه عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين قال: فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه فقال: لقد انتقصتم السوق، ثم أمر به فهدمه. قال أشهب: نعم يأمر السلطان بهدمه، رفع ذلك إليه من كان يسلط الطريق أو رفع ذلك جيرانه، لا ينبغي لاحد التزيد من ريق المسلمين، كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه. وينبغي للسلطان أن يتقدم في ذلك إلى الناس أن لا يتزيد أحد من طريق المسلمين.
قال ابن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لاحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا فيتزيده في داره ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، واختلفوا إن تزيد في داره من الطريق الواسعة جدا ما لا يضر بها ولا يضيقها على المارة فيها، فقال ابن وهب وأشهب: يهدم عليه ما تزيد من الطريق وتعاد إلى حالها وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وقول مطرف وابن الماجشون في الأبرجة يبنيها الرجل في الطريق ملصقة بجداره، واختيار ابن حبيب على ظاهر ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكير الذي أنشئ في السوق فأمر به فهدم. ووجه هذا القول أن الطريق حق لجميع المسلمين كالحبس فوجب أن يهدم على الرجل ما تزيده في داره منها كما يهدم عليه ما تزيد من أرض محبسة على طائفة من المسلمين أو من ملك الرجل بعنيه. وقيل: إنه لا يهدم عليه ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها لسعتها لماله من الحق فيه إذ هو بناؤه له الانتفاع به وكراؤه.
والأصل في ذلك ما جاء من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بالأفنية لأرباب الدور وأفنيتها ما أحاط بها من جميع نواحيها، فلما كان أحق بالانتفاع من غيره ولم يكن لاحد أن
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست