مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٧٥
وينتفى عنه ما يثبت لها وعنها (1)، والتضاد والتباين انما يقع بين الأشياء من حيث خصوصياتها المميزة كلا منها عما سواه.
وإذا عرفت هذا فأقول: ولكل مناسبة ثابتة بين طالب ومطلوب رقيقة رابطة بينهما، هي مجرى حكم المناسبة وصورته وتجذب تارة من أحد الطرفين وتارة من كليهما. فمن طرف العبد مع الحق سبحانه يسمى توجها بالسير والسلوك نحو الحق في زعم السالك والطالب أو نحو ما يكون منه، ومن جهة الحق سبحانه يسمى تدليا بتحبب وإجابة، والجذب والباعث من الطرفين يكون بسر المحاذاة والمقابلة المعنوية المظهرة حكم المناسبة تماما، والالتقاء يكون في الوسط ان اتحد زمان الانبعاثين وتحققت المحبة من الجهتين، فكان كل منهما محبا محبوبا، ويسمى هذا اللقاء والحال عند المحققين بالمنازلة، وان لم يكن اللقاء في الوسط فإلى أي الجهتين كان أقرب، حكم لصاحبه بالأولية في مرتبة المحبوبية وبالأخرية في رتبة المحبية، والأولية هنا للاسم الباطن والأخرية للظاهر، وسواء كان هذا (2) الامر بين مخلوقين أو بين حق وخلق، ويزيد الطلب حيث يزيد العلم، إذ المحبة التي هي أصل الطلب تابعة للعلم، تقوى بقوة العلم، فيقوى اثرها.
وهذا الامر في رتبة السالك يسمى بالتنزل ما لم يقع الالتقاء في الوسط ولم يبلغه السالك، وان حصل الالتقاء بعد تجاوز الرتبة الوسطية المعبر عنها بالمنازلة، سمى ذلك في ذلك العبد السالك بالتداني، وفي حق الرب بالتدلي. فالالتقاء في المنزل هو تنزل من الحق إلى عبده - نظير العروج للعبد - فافهم. والمقصود من التلاقي والاجتماع وثمرتهما (3)

(1) - فيه لف ونشر مرتب، والضمائر المذكرة ترجع إلى الامر الجامع، والمؤنثة ترجع إلى الأشياء، وقوله:
حكمه، مبتداء خبره حكمها، والجملة خبر لقوله: وللامر الجامع. وقوله: يثبت له... إلى آخره، بيان للجملة السابقة - ش (2) - أي الرقيقة الرابطة الجاذبة - ش (3) - بالرفع عطف على المقصود - ش
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست