مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٤٠
وهذا الامر هو المنبه عليه في سر الأولية ب‍ (أحببت ان اعرف) والمحبة لا تتعلق بموجود أصلا، لاستحالة طلب الحاصل على ما سبقت الإشارة إليه من وجه ويأتي أيضا.
ثم اعلم أن متعلق الضمير في التاء من (أحببت) النسب الربانية بصفة الطلب للمربوب، لما علمت أن المتضايفين لا يثبت أحدهما ولا يعقل بدون الاخر - وجودا وتقديرا - وهكذا هو الامر في كل ما يقتضى التضايف من الحقائق والنسب والمراتب والنعوت والصفات وغير ذلك.
واما الصورة الوجودية الظاهرة لنفسها الحاصلة من الاجتماع الأول الاسمائي المذكور فهي صورة الرحمن، والتجلي هو من الله مسمى الأسماء المشار إليها، ومرتبة التجلي المذكور هو المسمى بحقيقة الحقائق، وفي التحقيق الأوضح هي الرتبة الانسانية الكمالية الإلهية المسماة بحضرة أحدية الجمع.
فالرحمن اسم لصورة الوجود الإلهي من حيث ظهوره بنفسه، والرحمة نفس الوجود، والصفة الربية خفية الصورة ظاهر الحكم، وأول ظهورها لها فيما تعين بها وتعينت به، فشهد الشئ نفسه ومظهره بالتعين مسمى بالرحمن، فالرحمن للوجود كما بينا، والاسم الله للمرتبة والحقيقة الجامعة: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى (110 - الاسراء) فكل مرتبة واسم وامر يتعلق به الدعاء ويكون قبلة للسؤال لا يخلو من حكم هذين الأصلين، وإليهما ينضاف وينتهى امره، وهما الوجود والمرتبة جمعا وفرادى - على ما لوح ببعض سره من قبل -.
فكل متوجه إليه - بأي نوع كان وأي وجه وقع - فهو مدعو، وكل توجه دعاء وكل متوجه داع، فاعلم ذلك وتدبر شمول حكم ما نبهت عليه، تفز بالعلم الغريب، وسيأتى بيان سر الدعاء ببسط أكثر من هذا في ما بعد إن شاء الله.
ثم إن الاسم الرحمن باعتبار انبساط نوره في الخلاء على الممكنات المعلومة (1) وظهورها

(1) - بالجر عطف على انبساط - ش
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست