مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٣٣
فيتلبس به وكأنه عن ذلك بمعزل - بخلاف غيره من المتشوقين الطالبين - وانما يبقى للكمل ولمن عاين عينه الثابتة وأحواله - كما قلنا - تشوف مجمل بفقر ذاتي لا يتعلق بمطلب مخصوص - كما سنلمع بطرف منه عن قريب إن شاء الله -.
ثم اعلم أن لمعرفة هذا السر طريقين: أحدهما بالواسطة والاخر بلا واسطة، والذي بالواسطة على قسمين: موهوب ومكتسب، والذي لا واسطة فيه قد يكون للكسب فيه مدخل بالنسبة إلى بعض الناس من حيث الطلب أولا والسلوك إلى الباب، واما التحقق بهذا، بل وبمعرفة الحق وشهوده المعرفة والشهود الأتم، وبما ذا يفتح الحق باب حضرته على عبده المتوجه إليه الطالب منه، فلا مدخل للكسب فيه بوجه أصلا.
وفي الجملة: فالمتحقق انه المراد للظهور بالصورة، فإنه الذي اصطفاه الحق لنفسه لا لسواه، لا حكم عليه ولا نعت له يتعين، بل هو مع الصورة ومن هي له، كما يريد سبحانه من حيثها، ومتى غلب عليه حكم أمر ما منها أضيف إليه ونعت به في ذلك الوقت، فان دام على أمر بعينه إلى اخر العمر وغلب عليه لم يصح كونه على الصورة.
وهنا ضابط عظيم وسر جليل سأنبه عليه وأعرفك ببعض أحوال الكامل و علاماته ويكون به الختام، وبالانسان انختمت الدائرة وكان اخر ما ظهر وأتمه وأجمعه.
اعلم أيها الانسان المتشوق لان تكون انسانا حقيقا إلهيا وعبدا تاما أزليا أبديا: انه متى غلب عليك حكم أمر ما زمانين على نسق واحد ثابت، وسواء كان ذلك الامر منك أو من خارج في مبلغ العلم وتحكم عليه بما حكم به الناس ولم يتعين نسبته إليك وارتباطك به - على نحو ما مر في سر الارتباط بالأشياء والامتياز عنها بالذات حالة الارتباط - فأنت مغلوب العالم ومحكومه من كونه عالما، وغايتك - إذا زعمت أنك ترى الحق في نفسك وفي كل شئ أو كنت كذلك - حقيقة ان يكون الغالب عليك حكم الحق لا من حيث هو هو،
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست