مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٨٩
انصبغ به العلم من الاحكام والأوصاف سرى حكمه فيما هو تابع له أو فروع عنه.
ثم ارجع وأقول: وإن كان متعلق العلم الحاصل هو الله سبحانه وتعالى من حيث باطن وهويته بالتفسير السابق، فلا يخلوا ما ان يكون صاحبه عارفا بمرتبة الاسم الظاهر على مذهب أهل البصائر على ما ذكر، بمعنى انه عرف الحق من حيث تجليه في حقائق العالم، كشف له ان وراء ما أدرك من التجليات الظاهرة أمرا اخر إليه ترجع احكام هذه التجليات والصور المشهودة، أو (1) لم يعرف هذا الأصل، فإن كان من أصحاب هذه المعرفة، فلا بد له عن شهوده كل ما يشهده من صور الموجودات حال التجلي والكشف وتيقنه، إذ ذاك (2) ان (3) جميعها مظاهر لله تعالى ومجال له سبحانه ان يصير حاضرا في ذلك الحال أو مستحضرا للحقيقة الإلهية الغيبية التي - يستند إليها جميع ما ظهر - مع استصحاب حكم هذا القيد المتجدد - فهذا أيضا عمل لازم لهذا العلم المذكور.
ثم نقول: وان لم يكن من أهل هذه المعرفة من هذا الوجه المذكور، بل علمه بباطن الحق انما هو بحسب ما تعطيه القوة النظرية، فإنه لا يخلو هذا العلم الحاصل له - كما قلنا - اما ان يفيد في جانب الحق سبحانه حكما سلبيا أو ايجابيا، وأيهما كان فإنه لا بد لصاحبه في بعض الأوقات أو كلها من توجه نحو الحق أو عبادة له أو حضور معه أو استحضار، وأي ذلك كان فلا بد من أن يكون توجه صاحب هذا الحال نحو الحق وعبادته مخالفا لتوجهه قبل تجليه بهذا العلم - وكذا حضوره أيضا ونحوهما - وذلك لإفادة هذا العلم إياه في الحق أمرا لم يعلمه من قبل، اما سلب ما كان يعتقد ثبوته أو إثبات ما كان يعتقد انتفائه عن الحق تعالى فيصير توجهه إليه تعالى وعبادته له وحضوره معه منصبغا بحكم أحد القيدين، وهم السلب والايجاب، والا لتساوى حصول هذا العلم وعدم حصوله في الحكم وانه محال. فهذا إذ توجه متجدد صحبه حكم لم يكن من قبل، وهو العمل المختص بذلك العلم.
وهكذا الامر في كل مسألة - تحصل له من العلم بالله، إذ لا يخلو كل ما يحصل من

(1) - هو عطف على عارفا - ش (2) - أي انكشف - ش (3) - بالفتح مفعول تيقنه - ش ذاك الكشف ان - ط
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست