عقائد السنة وعقائد الشيعة ، التقارب والتباعد - صالح الورداني - الصفحة ١٣٣
وعلى الرغم من أن تيار التكفير قد تحرر من اتباع الرجال وكفر بالتراث السلفي إلا أنه وقع فريسة الأحاديث المتناقضة حول الإمامة. وبالتالي عجز عن استنباط نظرية مواجهة للواقع تكفل له الاستمرار والبقاء.. (1).
كما وقع أيضا تيار الجهاد فريسة عقيدة أهل السنة التي تنص على جواز الصلاة والجهاد وراء كل أمير برا كان أو فاجرا.. وقد دفعت بعناصر الجهاد إلى الهجرة إلى أفغانستان للجهاد هناك تحت رايات يجهلون هوياتها ودوافعها، وقد جذبهم نحوها مظهرها السلفي، ووضوح عقيدة الطرف المحارب وهي الشيوعية.
ولو كانت الفئة المقصودة بالجهاد في أفغانستان ليست شيوعية وكانت تتبنى أي عقيدة أخرى لما شكلت عامل جذب للتيار الإسلامي، حيث أنها في هذه الحالة فيها شبهة إسلامية، والقتال لا يكون إلا لا صحاب الكفر البواح حسب تعبير الأحاديث، أي أن الأمر بصورة أخرى، لو أن الصراع الدائر في أفغانستان كان بين المنظمات الأفغانية وبين اليمينيين أو نظام طاهر شاه ما كان هناك مبرر للجهاد، لأن عقيدة أهل السنة كما بينا لا تجيز قتال الحكام حتى ولو كانوا فجارا ظالمين. ولا تجيز إراقة دماء أهل القبلة من الناطقين بالشهادتين حتى ولو كانوا يتسترون بها. ويجيزون الخروج والقتال في حالة الكفر البواح كما هو حال الشيوعيين الملحدين مع أن هناك الكثير من حالات الكفر البواح ظاهرة في عصر بني أمية وبني العباس من قبل خلفاء يشهد واقعهم وسلوكهم بذلك، إلا أن أهل السنة لم يعلنوا النفير في مواجهتهم وهم قد أعلنوها في أفغانستان لإجماع الحكام على جواز الجهاد فيها (2).

(١) تبنى تيار التكفير فكرة رفض التقليد ووضع قاعدة (من قلد كفر) واستند إلى قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة.. وهو بالتالي كفر بالتراث ونتاجات الفقهاء. لكنه وقع في حيرة بسبب الأحاديث المتناقضة حول طاعة الحكام والخروج عليهم وكفرهم وحول وضع الصحابة وتجاوزاتهم واجتهاداتهم على النصوص مما دفع به إلى استنباط نظرية سلبية في مواجهة الواقع تقول برفض الجهاد وانتظار حدوث الملحمة الكبرى آخر الزمان.
(2) لو أن السعودية كانت تنازلت عن دعم الثورة الأفغانية لما حدث ذلك الإجماع على تأييد هذه الثورة ودعمها من قبل دول الخليج وباكستان وغيرها. ولما انزلقت الحركة الإسلامية في متاهة هذه الثورة التي كان وقودها النفط والدولار. ولو لم يكن هناك إجماع من فقهاء النفط على مواجهة الكفر البواح في أفغانستان ما شكلت الثورة الأفغانية أدنى جاذبية للشباب المسلم الذي اندفع أفواجا في صفوفها، وقد أدت الثورة الأفغانية خدمة جليلة لحكام النفط وفقهائهم، إذ صرفت وجوه هؤلاء الشباب عن الكفر البواح في بلادهم.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست