مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٥
المناط غير إن يلتزم به في مطلق ما يصل إلى الجوف أو يكون تسليمه فيما إذا كان وصوله إلى الجوف من المنافذ الموجودة في البدن بمقتضى الخلقة الأصلية وهى منحصرة في الطرفين الأسفلين وفي منافذ الرأس التي طريقها إلى الجوف من الحلق وهو بحسب الظاهر ملتزم بأن ما يصل إلى الجوف من الحلق عمدا مفسد للصوم سواء كان من الفم أو غيره من المنافذ كما يفصح عن ذلك تقييد الحكم بكراهة السعوط فيما سيأتي بما إذا لم يصل إلى الحلق حيث يظهر من ذلك التزامه بالمنع على تقدير وصوله إلى الحلق فمراده فيما سبق بما يصل إلى الجوف بغير الحلق ما كان من قبيل ما لو طعن نفسه فوصل إلى جوفه أو وضع دواء على جرح في بدنه فوصل إلى الجوف أو نحو ذلك خلافا لما عن الشيخ في المبسوط من القول بفساد الصوم بذلك وعن العلامة في المختلف بعد حكاية القول به عن المبسوط اختياره ولكن نقل خلاف الشيخ التصريح بموافقة المشهور وعدم الافطار بالتقطير في الذكر ولا بوصول الدواء إلى جو من جر ولا بوصول الرمح مثلا إليه رطبا كان أو يابسا أستقر في الجوف أولا مقتصرا في حكاية الخلاف في ذلك على العامة ولكن الأظهر عدم ابتناء ترد؟
المصنف في هذا الكتاب على ما ظهر من معتبره من التردد في الوصول إلى الجوف وعدمه لأنه فرض موضوع المسألة هيهنا فيما لو وصل إلى الجوف فلا يبقى معه مجال للتردد في حكمه بعد تسليم الكبرى لو لم يكن الفرض مبنيا على المسامحة في التعبير فكان منشاء تردده هيهنا عدم كون ما يستدخله إلى الجوف من أسفله مثل ما يوصله إلى جوفه من حلقه عمدا في إمكان استفادة حرمته مما دل على الأكل والشرب بالتقريب الآتي ومن إمكان الحاق ما يصل إلى الجوف من الإحليل بالاحتقان بتنقيح المناط وكيف كان فالحق في المقام هو ما عرفت من عدم فساد الصوم بما يصل إلى الجوف بغير الحلق مطلقا عد الحقنة بالمايع من غير فرق بين أن يكون من الإحليل أو من غيره وإلحاق الأول بالحقنة قياس لأنا نقول به ودعوى إن مناط الحكم هو وصوله إلى الجوف من غير مدخلية لطريقه مما لا ينبغي الالتفات إليها وأما ما يصل إلى الجوف من الحلق فإن كان من طريق الفم فهو مفسد مطلقا سواء سمى في العرف أكلا وشربا أو بلعا أو تجزعا أو ازدرادا ونحوه إذ المراد بالاكل والشرب في هذا الباب ما يتناول ذلك كله بلا شبهة ولا نعنى بالاطلاق ما يتناول مثل إد خال أصبعه أو رمح أو عصا ونحوه في حلقه فإن مثل ذلك أجنبي عن مفهوم الأكل والشرب كما أن إخراجه من الحلق أجنبي عن مفهوم القئ فلا ينبغي الارتياب في عدم قادحية مثله لا إد خالا ولا إخراجا إذ لا ربط له بماهية المفطرات التي دلت الأدلة على وجوب الكف عنها كما هو واضح وإنما المراد بالتعميم المعنى الذي لا يتحقق معه عرفا صدق اسم الاجتناب عن الطعام والشراب بل يعد تناولا للمطعوم والمشروب وإن لم يطلق عليه خصوص اسم الأكل والشرب أو أنصرف عنه إطلاقه ومن هنا قد يقوى في النظر عدم الفرق فيما يصل إلى الجوف من الحل بين كون وصوله إلى الحلق من الفم أو الانف أو غيره من المنافذ الموجودة في الرأس إصالة أو لعارض إذ لا يقال على من استوفى حظه من الطعام والشراب بتجرعه من أنفه إنه أجتنب عن الطعام والشراب وإن لم يطلق على فعله إنه أكل أو شرب لا يقال إن المتبادر من الامر باجتناب الصائم عن الطعام والشراب إنما هو إرادة الاجتناب عن أكله وشربه لا مطلق إيصاله إلى جوفه وإلا لفهم منه حرمة الاحتقان وصب الدواء في الا حليل ونحوه مع أنه ليس كذلك جزما لأنا نقول المتبادر منه إرادة الأكل والشرب بهذا المعنى العام لا خصوص ما وضع له لفظهما أو أنصرف إليه إطلاق اسمهما بل المتبادر من الامر بالصوم والكف عن الأكل والشرب لأجل المناسبة بين الحكم وموضوعه ليس إلا إرادتهما بهذا المعنى كما أنه لا يتبادر من نهى الشارع عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير إلا أرادتهما بهذا المعنى ولذا لا يرتاب أحد من المتشرعة في حرمة الاستنشاق بهما على وجه يوصلهما بذلك إلى جوفه عمدا ولذا لم يظهر من أحد من الأصحاب عدا بعض متأخري المتأخرين التشكيك في فساد الصوم بإيصال شئ إلى جوفه عمدا من أنفه لو لم ينعقد الاجماع على الفساد لخروجه عن مسمى الأكل والشرب وعدم صحة دعوى القطع بالمناط في الاحكام التعبدية وهو في غير محله كما عرفت وأما تشكيك كثير منهم أو جزمهم بعدم الافساد فيما يصل إلى الحلق بالاكتحال أو التقطير في الاذن فهو في محله فإن ما يصل إلى الحلق من طريق العين والاذن لا يصل إليه إلا بعد الاستهلاك والاضمحلال وعدم بقاء حقيقة عرفا فمن أكتحل بالنبات مثلا أو قطر في إذنه شيئا فوصل إلى جوفه لا يكون ذلك على وجه صدق عليه إنه ابتلع أو ازدرد ذلك الشئ بل يقال إنه أكتحل بالنبات فوجد طعمه في حلقه ولا يقال وصل عينه إليه إلا تجوزا وما يقال من أن وصول طعمه ملزوم لوصول جرمه الحامل للطعم على تقدير تسليمه غير مجد في المقام لعدم ابتناء الأحكام الشرعية على التدقيقات الحكمية فالمدار على صدق ازدراد النبات وإيصاله إلى الجوف من الحلق وهو منتف في الفرض نعم لو فرض كون العين والاذن أيضا كالانف والفم بحيث يجرى ما يصب فيهما إلى الحلق مع بقائه على حقيقته عرفا أو فرض وجود منفذ عارضي كذلك لا ينبغي الارتياب في مفطريته كما أنه لا ينبغي الارتياب في حرمة تناول سائر المحرمات التي نهى الله تعالى عن أكله وشربه كذلك لحصول معنى الأكل والشرب الذي يناسبه الحكم بذلك وإن لم يندرج في مسماهما عرفا بل قد يقال باندراجه في مسماهما حقيقة وإنما ينصرف عنه إطلاق اسمهما لعدم تعارفه أو ندرة وجوده وفيه تأمل الرابع لا يفسد الصوم أبتاع النخامة وفي القاموس النخمة النخامة بالضم النخاعة ونخم كفرح نخما ويحرك وتنخم بشئ من صدره أو أنفه وفي المجمع النخامة بالضم النخاعة يقال تنخم الرجل إذا انتخع والنخاعة ما يخرجه الانسان من حلقه من مخرج الخاء وعن الصحاح النخامة النخاعة وبالعكس وعن المغرب أنها ما تخرج من الخيشوم عند التنخع فهي على الظاهر اسم لمطلق ما يخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة سواء نزل في الأصل من الرأس أو خرج من الصدر ولكن المراد بها في المتن على الظاهر خصوص الأخير حيث جعل ما ينزل من الرأس قسيما لها وكيف كان فما يخرج من الصدر لا يفسد ابتلاعه وكذا البصاق المجتمع في الفم فضلا عن غير المجتمع ولو كان عمدا قد تم ما صدر عن المصنف قدس سره من كتاب الصوم والحمد الله أولا وآخرا ويتلوه كتاب الرهن قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق الشريفة بيد أقل العباد طاهر (خوشنويس) أبن المرحوم الحاج عبد الرحمن غفر الله تعالى ذنوبهما في شهر رمضان 1364
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»