مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٠
لامارة شرعية وقد تعجب منه غير واحد ممن تأخر عنه فإنه مع غرابته غير مستقيم لأن الظن المجوز للافطار الموجب لسقوط القضاء معه لا يفرق فيه بين أسبابه بل مورد سقوط القضاء مع حصول الظن هو الذي سماه الشهيد وهما والذي ينبغي أن يقال في تحقيق المقام ان تناول المفطر عند عروض ظلمة وشبهها من الأسباب الموهمة دخول الليل يتصور على انحاء فإنه ربما يكون حال تناول المفطر ملتفتا إلى حالته تفصيلا ويجد نفسه شاكا أو ظانا بدخول الليل أو بعدمه ومع ذلك يقدم على الافطار ولا مجال للارتياب في فساد صومه في مثل الفرض على تقدير ان يرى نفسه شاكا أو ظانا ببقاء اليوم بل ولا في وجوب الكفارة عليه ولكن هذا الفرض بحسب الظاهر خارج عن موضوع كلماتهم فان محل الكلام فيمن لم يرتدع عن عزمه على صوم اليوم ولكن تناول المفطر بانيا على انقضاء اليوم وحصول وقت الافطار وهذا ينافي الظن ببقاء اليوم أو التردد فيه نعم يمكن ان يجتمع مع الظن بدخول الليل تنزيلا له منزلة العلم كسائر الموارد التي يعول عليه العقلاء في مقاصدهم وهذا بخلاف صورة التردد أو الظن بالخلاف كما لا يخفى على المتأمل ولكن هذا مع الالتفات التفصيلي إلى حالته وأما بدونه فقد يجتمع تناول المفطر في زمان لا يعتقد بكونه ليلا لا اعتقادا جزميا ولا ظنيا مع بنائه على الخروج عن عهدة التكليف بالصوم بما صدر منه اما غفلة عن احتمال الخلاف كما لو سمع الاذان أو رأى ظلمة وشبهها فارتسم في مخيلته دخول الليل ولم يخطر بذهنه خلافه حتى يتردد فيه أو يرجح أحد طرفيه أو يذعن به اذعانا تصديقا ومثله لا يسمى شاكا ولا ظانا ولا معتقدا بالليل بل يطلق عليه في العرف اسم التوهم والتخيل نظير ما قد يتخيل الانسان أمورا لا واقعية لها إلى أن يستغرق في الفكر ويذهل عن كونها أمورا وهمية فيرتب عليها أثر الوجود ثم يلتفت إلى حالته فيريها غير متأصلة فهذا النحو من الجزم الناشئ من الوهم ليس من سنخ العلم والاعتقاد ولعله ملحق بالسهو لدى العرف حكما إن لم يكن مندرجا في موضوعه وقد لا يحصل له الغفلة عن احتمال الخلاف بحيث يلحق بالساهي ولكن لا يعني به من باب المسامحة و التمحلات العرفية الباعثة لهم على ترتيب أثر الصحة على الأمور التي لا يعلمون بصحتها بل ربما يعلمون إجمالا بفسادها وقد نبهنا في كتاب الصلاة على عدم المضادة بينه وبين قصد الصوم المسقط للتكليف المعلوم لديهم إنه من طلوع الفجر إلى الغروب فإن أدل دليل على إمكان الشئ وقوعه ونحن نشاهد أن كثيرا من أهل السواد يصلون ويصومون ويأتون بسائر العبادات الواجبة والمستحبة بقصد القربة والخروج عن عهدة التكليف بها ولا يراعون شرائطها وأجزائها حق رعايتها بل يتسامحون فيها كمال المسامحة ويعترفون بتقصيرهم فيها وجهلهم بأحكامها بل ربما يذعنون بنقصها وعدم كونها على ما ينبغي ومع ذلك يتسامحون فيها تنزيلا لها على مقاصدهم العرفية القابلة للمسامحة أما القسم الأول الذي قد أشرنا إلى كونه ملحقا بالسهو فلا شبهة في عدم كونه موجبا للكفارة بل قد يتأمل في سببيته للقضاء أيضا لما أشرنا إليه من إمكان دعوى كونه من أقسام السهو الذي لا خلاف نصا وفتوى في عدم كونه موجبا للقضاء أو دعوى اشتراط العمد في المفطرية وهو بهذا العنوان لم يصدر عمدا ولكن لا يخلو كل من الدعويين عن النظر أما الأولى فلانصراف ما دل على حكم السهو عنه لو سلم اندراجه فيه موضوعا وأما الثانية فلما مر في تفسير العمد المعتبر في المفطرية من أن المراد به ما يقابل السهو والنسيان لا العمد من حيث مبطليته للصوم فإلحاقه بالجازم بدخول الليل الذي حصل له الجزم بلا تحر الذي ستعرف إن الأشبه فيه وجوب القضاء لو لم نقل بأنه أيضا من أقسامه إلا أنه جزمه جزم غير مستقر لا يخلو عن قوة وأما القسم الثاني وهو ما كان مبنيا على المسامحة كما هو الغالب في موارده المنصرف إليه أطلاق المتن ونحوه فلا شبهة في فساد صومه وأما الكفارة فالأشبه عدمها بناء على ما قويناه من اختصاصها بمن أفطر متعمدا فإنه لم يتعمد بفعله الافطار في نهار رمضان حتى يطلق عليه هذا العنوان وإلا لم يجتمع مع عزمه على الصوم والمفروض خلافه وابتنائه على المسامحة إنما يصحح العقاب عليه لا اندراجه تحت هذا العنوان عرفا نعم لو بنينا على ترتب الكفارة على مطلق الافطار الغير السائغ شرعا أتجه الالتزام بها في المقام لو لم ينعقد الاجماع على خلافه ولكنك عرفت فيما سبق ضعف المبنى هذا كله فيما إذا لم يحصل له بواسطة الظلمة ونحوها الظن بدخول الليل وأما لو غلب على ظنه وكان في السماء علة من غيم أو حجة ونحوها كما هو منصرف كلماتهم في هذا المقام حيث إن الغالب أن الظلمة الموهمة لا تكون إلا عن علة سماوية مانعة عن تحصيل العلم بالغروب فلا خلاف بين علمائنا ظاهرا كما ادعاه في المدارك في أنه يجوز له الافطار تعويلا على ظنه كما أنه يجوز الدخول في الصلاة حيث ما عرفته في مبحث المواقيت ولكنهم اختلفوا في أنه لو أنكشف الخلاف هل يجب عليه قضاء الصوم كإعادة الصلاة لو وقع جميعها قبل الوقت على قولين حكى أولهما أي وجوب قضائه عن المفيد وأبى الصلاح والمصنف في المعتبر بل ربما نسب إلى المشهور نسب القول بنفي القضاء إلى الشذوذ وأستدل له بأنه تناول ما ينافي الصوم عمدا فلزمه القضاء وما رواه الشيخ عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله عز وجل يقول ثم أتموا الصيام إلى الليل فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضائه لأنه أكل متعمدا وحكى عن الشيخ في جملة من كتبه وأبن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه وجمع من الأصحاب منهم المصنف (ره) في الكتاب أنه لم يفطر أي لم يفسد صومه فلا يجب عليه قضائه للمعتبرة المستفيضة الدالة عليه كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال لرجل ظن إن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء وصحيحته الأخرى قال قال أبو جعفر وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا قوله عليه السلام إذا غاب لقرص أي بزعمك وإلا أمتنع الروية بعده كما لا يخفى واحتمال أن يكون المراد بمضي الصوم فساده بعيد في الغاية وخبر أبي الصباح الكناني قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وكان في السماء علة فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»