مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٢١١
ذكرنا من كفاية الوكالة في صحة العقد بأن شرط صحة الوكالة قابلية المحل بأن يكون فعلا اختياريا فيوكله في إيجاده وهو في المقام غير محقق إذا الاستيلاء التام الفعلي غير ممكن إلا بعد زمان يمكن الوصول إليه وأما الاستيلاء الحاصل بفعله السابق الذي صار منشأ لصدق كونه قبضا في الحال فهو أمر حاصل غير قابل للتغيير نفيا وإثباتا في زمان لا يتمكن من الوصول إليه إلا بعد مضيه فهذا أيضا لوجوبه غير قابل للاستنابة حتى يصير القبض قبضا للمرتهن وفيه أن نفس القبض وإن كان حاصلا لا يقبل النيابة بعد ذلك من حيث هو إلا أن قصده كون استمرار القبض الحاصل نيابة عن المرتهن فعل ممكن وبه يتغير عنوان القبض نعم يتوقف على نية النيابة إذ بها يتغير العناوين في مثل المقام فهو في الحقيقة وكيل في هذا الامر الذي به يتحقق الإضافة ويصدق عليه إنه قبضه فهذا كما لو نوى الولي القبض عن الطفل فيما لو وهبه مما هو في يده والظاهر إنه لا إشكال في كفايته في صحة الهبة مع أنه ليس إلا مجرد تغير العنوان بالقصد فأفهم وإذا عرفت أن القبض معتبر في حصة الرهن ولزومه فلو أقر الراهن بالاقباض قضى عليه وحكم بصحة الرهن ولزومه لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائزو لكنه إذا لم يعلم كذبه ضرورة عدم كون الاقرار من الأسباب الواقعية لتحقق مؤداه واقعيا وإنما هو سبب ظاهري يترتب عليه مؤداه ما لم يتبين خلافه وأما بعد ظهور الخلاف فلا ولو رجع بعد ذلك عن إقراره لم يقبل رجوعه لكونه إنكار عقيب الاقرار وسماعه ينافي نفوذ الاقرار ومضيه ولكنه قد يقال إنه تسمع دعواه لو ادعى المواطات على الاقرار لأجل الاشهاد عليه إقامة لرسم الوثيقة وعلى هذا يتوجه له اليمين على المرتهن على الأشبه ولا يخفي عليك أن هذه الفروع لا يتنقح حق التنقيح إلا بعد تحقيق حقيقة الاقرار ومعرفة حكمه الثابت له من النفوذ وعدم سماع الانكار وبعده فنقول الاقرار لغة كما في المسالك الاثبات من قولك قر الشئ يقر وقررت الشئ وأقررته إذا أفدته القرار فعلى هذا ما يظهر من بعض اللغويين إنه بمعنى الاعتراف أو الاذعان فإنما هو تفسير بالمناسب إذ الظاهر أن الاذعان عبارة عن التصديق القلبي من حيث هو وليس الاقرار كذلك بل الاعتراف أيضا مما يعتبر العلم في مفهومه بخلاف الاقرار فإن الاعتقاد بحسب الظاهر ليس مأخوذا فيه كيف كان فيطلق الاقرار على الاخبار عن حق لازم للغير على المتكلم والظاهر إن إطلاقه عليه ليس من حيث كونه أخبارا عن الواقع وكونه ثابتا في نفس الامر حتى يكون مساوقا للقسم الخاص من الخبر وإن كان يظهر من عبائر بعضهم ذلك حيث عبروا بأن صيغته كذا أو لفظه كذا وأما احتمال كونه بملاحظة صدور نفس اللفظ من حيث هو أو بملاحظة اللفظ من حيث كونه مطابقا للنسبة الذهنية فمما لا ينبغي أن يتوهم بل الظاهر أن تسميته إقرارا إنما هو من جهة استلزام خبره إثبات حق للمقر له على عهدة المقر ونفي استحقاقه له بنفسه بمقتضى اعترافه فالاقرار اسم للازم المستفاد من الخبر لا لنفس القضية من الموضوع والمحمول فالخبر ما به يتحقق الاقرار لا نفس الاقرار ولعل في تعديته بالباء في قولهم أقر بكذا إشعارا بذلك إذا عرفت معنى الاقرار فنقول أن حكم الاقرار نفوذه على المقر وقطع النزاع به للنبوي المدعى استفاضته بل تواتره إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ومعنى جوازه بحسب الظاهر نفوذه في حقه وعدم إمكان التفصي له عما التزمه على نفسه بسبب إقراره لا إنه حجة وطريق إلى الواقع لأجل إن العاقل ليس متهما في إخباره عن ضرر نفسه فيجب تصديقه نظير وجوب تصديق العادل حتى قال إن اعتباره على هذا دائر مدار طريقيته ولو نوعا فيشكل الامر فيما لو عارضه إقرار آخر كان يقر أولا لزيد بشئ ثم لعمرو بذلك الشئ ضرورة عدم اتصاف المتعارضين بوصف الطريقية بالنسبة إلى شئ من الخصوصيتين مع أنهم حكموا بنفوذ الاقرار في المثال فيلزم بدفع العين إلى الأول وبدله إلى الثاني وذلك لأن الجواز ليس بمعنى الحجية كما لا يخفى مع أنه بعد ما عرفت من أن الاقرار لغة بمعنى الاثبات وإن تسمية الخبر إقرارا إنما هو باعتبار لازمه أعني الاثبات والالتزام لا مجال لهذا التوهم إذ الاثبات والالتزام لا يتصف بالحجية والطريقية نعم إن قلنا بأن الاقرار عبارة عن نفس الخبر لكان للاحتمال المذكور وجه إلا إنه خلاف الظاهر فلا يضار إليه وأما ما ذكر من أن العاقل لا يتهم في أخباره عن نفسه فالظاهر إنه حكمة لجعل إقراره سببا للنفوذ وجواز الزامه بما ألتزم به والظاهر إن الاقرار في حد ذاته له نحو اعتبار وسببية ظاهرية عند أرباب السياسة من العقلاء فحكم الشارع على هذا إمضاء لطريقهم وكيف كان فالظاهر بل المقطوع به أنه سببا واقعيا لثبوت متعلقه كالبيع ونحوه بل هو سبب ظاهري يترتب عليه آثار ثبوته ما لم يعلم خلافه فلو علم كذبه لا يترتب عليه شئ كما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهرية فلو أقر بأن الدار التي تحت تصرفه إنها لزيد نحكم بمقتضى إقراره إنها لزيد وتلزمه بدفعها إليه كما لو رأينا نقلها إليه بسبب واقعي فلا يسمع بعد ذلك دعواه أنها ليست لزيد إذ إنكاره بعد ذلك مناف لنفوذ إقراره السابق وقد دلت الرواية على نفوذه هذا إذا تعلق الانكار بنفس ما أقر به أما لو أدعى التأويل والمواطاة على الاشهاد والكذب عمدا أو خطأ والاشتباه في طريق الاقرار كالاتكال على قول الشريك أو خط الوكيل وغير ذلك من نظائرها فسماع الدعوى فيها ليس منافيا لنفوذ الاقرار مطلقا بيان ذلك أما فيما هو من قبيل دعوى التأويل كالتورية ودعوى جهله بمدلول كلامه وسبقه إلى لسانه من دون قصد وغير ذلك فدعواها ترجع إلى دعوى خروج الاقرار عن كونه إقرارا ومعلوم إن هذا لا ينافي نفوذ حكم الاقرار إذا الكلام بعد في تحقق موضوع النفوذ فله إثبات ما ادعاه من عدم كونه إقرارا إلا أنه قبل الاثبات محكوم بالنفوذ لأصالة الحقيقة وإصالة عدم إرادة خلاف الظاهر مما له ظاهر وأصالة عدم الخطاء والغفلة وغير ذلك من الأصول المعتبرة عند العقلاء في تعيين المرادات من الألفاظ وأما دعوى المواطاة على الاشهاد والكذب عمدا لغرض أو خطأ فإنه وإن كان يصدق عليه الاقرار إلا إنك قد عرفت إن الاقرار ليس في حد ذاته سببا واقعيا فمن الممكن أن يكون كلامه كذبا في الواقع فلفظه وإن كان صريحا في كون المال لزيد في الواقع إلا إنه لا يدل بمقتضى مفهومه اللفظي إن المتكلم لم يكذب في كلامه غاية الأمر إنا نحرز هذا الشرط قبل دعواه بظهور الحال وأصالة عدم كون كلامه مخالفا لمعتقده وإن المتكلم العاقل لا يخبر بخلاف الواقع المضر بحاله وغيرها من الأصول المعتبر عند العقلاء فإذا أدعى شيئا مما هو مخالف لأصل من الأصول التي يتعين بها مدلول اللفظ يجوز
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»