الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٠١
فقد حذر تعالى من مخالفة نذارة الطائفة - والطائفة في اللغة تقع على بعض الشئ كما قدمنا - ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن مسلما ثقة لو دخل أرض الكفر فدعا قوما إلى الاسلام وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لازما لهم قبوله، ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة. وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولا إلى ملك من ملوك الكفر، أو إلى أمة من أمم الكفر، ويدعوهم إلى الاسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين، ولا فرق.
وما قال قط مسلم إنه كان حكم أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه عليه السلام إلى كل ناحية معلما ومفتيا ومقرئا. نعم أنت رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الايمان حق عندنا. ولكن ما أفتيتنا به وعلمتنا من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه السلام، فلا نقبله منك ولا نأخذه عنك، لان الكذب جائز عليك، ومتوهم منك، حتى يأتينا لكل ذلك كواف وتواتر. بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين.
وكذلك لا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث من بعث من رسله إلى الآفاق لينقلوا إليهم عنه القرآن، والسنن وشرائع الدين، وأنه عليه السلام لم يبعثهم إليه ليشرعوا لهم دينا لم يأت هو به عن الله تعالى، فصح بهذا كله أن كل ما نقله الثقة عن الثقة مبلغا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة ففرض قبوله، والاقرار به والتصديق به، واعتقاده والتدين به، وأن كل ما صح عن صاحب أو تابع أو من دونهم من قراءة لم تستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من فتيا لم تسند إليه صلى الله عليه وسلم، فلا يحل قبول شئ من ذلك لأنه لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك قد صح عن الواحد بعد الواحد من الصحابة والتابعين، وليس فضلهم بموجب قبول آرائهم، ولا بمانع أن يهموا فيما قالوه بظنهم، لكن فضلهم معف على كل خطأ كان منهم، وراجح به، وموجب تعظيمهم وحبهم وبالله تعالى التوفيق.
وبرهان آخر: وهو أنه قد صح يقينا وعلم ضرورة أن جميع الصحابة أولهم عن آخرهم قد اتفقوا دون اختلاف من أحد منهم، ولا من أحد من التابعين الذين كانوا في عصرهم، على أن كل أحد منهم كان إذا نزلت به النازلة سأل الصاحب عنها
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122