الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٢٨
صورة الانسان بالتمييز دون صورة الفرس، أو أن تكون الكواكب المتحيرة سبعا دون أن تكون تسعا، وكذلك سائر رتب العالم كلها. فهذا ما لا مجال للعقل فيه لا في إيجابه ولا في المنع منه، وإنما في العقل الفهم عن الله تعالى لأوامره، ووجوب ترك التعدي إلى ما يخاف العذاب على تعديه، والاقرار بأن الله تعالى يفعل ما يشاء، ولو شاء أن يحرم ما أحل أو يحل ما حرم لكان ذلك له تعالى، ولو فعله لكان فرضا علينا الانقياد لكل ذلك ولا مزيد. ومعرفة صفات كل ما أدركنا معرفته مما في العالم وأنه على صفة كذا وهيئة كذا كما أحكمه ربه تعالى ولا زيادة فيه وبالله تعالى التوفيق، وإليه الرغبة في دفع ما لا نطيق.
الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات أعن توقيف أم عن اصطلاح قال أبو محمد: أكثر الناس في هذا، والصحيح من ذلك أصل الكلام توقيف من الله عز وجل بحجة سمع وبرهان ضروري. فأما السمع فقول الله عز وجل: * (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) *. وأما الضروري بالبرهان:
فهو أن الكلام لو كان اصطلاحا لما جاز أن يصطلح عليه إلا قوم قد كملت أذهانهم، وتدربت عقولهم، وتمت علومهم، ووقفوا على الأشياء كلها الموجودة في العالم وعرفوا حدودها واتفاقها، واختلافها وطبائعها وبالضرورة نعلم أن بين أول وجود الانسان وبين بلوغه هذه الصفة سنين كثيرة جدا يقتضي في ذلك تربية وحياطة وكفالة من غيره. إذ المرء لا يقوم بنفسه إلا بعد سنين من ولادته.
ولا سبيل إلى تعايش الوالدين والمتكفلين والحضان إلا بكلام يتفاهمون به مراداتهم فيما لا بد لهم منه، فيما يقوم معايشهم من حرث أو ماشية أو غراس، ومن معاناة ما يطرد به الحر والبرد والسباع، ويعاني به الأمراض، ولا بد لكل هذا من أسماء يتعارفون بها ما يعانونه من ذلك. وكل إنسان فقد كان في حالة الصغر التي ذكرنا من امتناع الفهم والاحتياج إلى كافل، والاصطلاح يقتضي وقتا لم يكن موجودا قبله، لأنه عمل المصطلحين، وكل عمل لا بد من أن يكون له أو فكيف كانت حال المصطلحين على وضع اللغة قبل اصطلاحهم عليه، فهذا من الممتنع المحال ضرورة.
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122