الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٠٢
وأخذ بقوله فيها، وإنما كانوا يسألونه عما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى في الدين في هذه القصة، ولم يسأل قط أحد منهم إحداث شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى، وهكذا كل من بعدهم جيلا فجيلا لا نحاشي أحدا، ولا خلاف بين مؤمن ولا كافر قطعا في أن كل صاحب وكل تابع سأله مستفت عن نازلة في الدين، فإنه لم يقل له قط: لا يجوز لك أن تعمل بما أخبرتك به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخبرك بذلك الكواف كما قالوا لهم فيما أخبروا به: أنه رأى منهم فلم يلزموهم قبوله.
فإن قيل: فاجعل هذه الحجة نفسها حجة في قبول المرسل، قلنا: ليس كذلك لأنه لم يصح الاجماع قط، لا قديما ولا حديثا على قبول المرسل، بل في التابعين من لم يقبله كالزهري وغيره، يسألون من أخبرهم عمن أخبرهم حتى يبلغوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سقط ذلك عمن ليس في قوته فهم الاسناد ومعرفته فقط، وقد قال الزهري لأهل الشام: ما لي أرى أحاديثكم لا خطم لها ولا أزمة، فصاروا حينئذ إلى قوله، وغير الزهري أيضا كثير. فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فإن جميع أهل الاسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يجزي على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الاجماع في ذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد يتدين بما يروي عن الحسن ويفتي به هذا أمر لا يجهله من له أقل علم.
وبرهان آخر: وهو أنه عدد محصور فالتواطؤ جائز عليهم وممكن منهم، ولا خلاف بين كل ذي علم بشئ من أخبار الدنيا، مؤمنهم وكافرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه عليه السلام كان يفتي بالفتيا، ويحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وإن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره عليه السلام بنقل من حضره وهم واحد واثنان، وفي الجملة عدد لا يمتنع من مثلهم بالتواطؤ عند
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122