الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٠٤
بقبول السنن من طرق الآحاد: إن الخبر إذا كان مما يعظم به البلوى لم يقبل فيه خبر الواحد، ومثل ذلك بعضهم بالآثار المروية في الأذان والإقامة، وقال:
إن الأذان والإقامة كانا بالمدينة بحضرة الأئمة من الصحابة رضي الله عنهم خمس مرات كل يوم، فهذا مما تعظم به البلوى، فمحال أن يعرف حكمه الواحد، ويجهله الجماعة، ومثل ذلك بعضهم أيضا بخبر الوضوء من مس الذكر.
قال أبو محمد: وهذا كلام فاسد متناقض، أول ذلك أن الدين كله تعظم به البلوى، ويلزم للناس معرفته، وليس هذا ما وقع في الدهر مرة من أمر الطهارة والحج أوجب في أنه فرض أو حرام مما يقع في كل يوم، ولا يفرق بين ذلك إلا جاهل أو من لا يبالي بما تكلم، ويقال له في الاذان الذي ذكر: لا فرق بين أذان المؤذن بالمدينة بحضرة عمر وعثمان رضي الله عنهما خمس مرات كل يوم، وبين أذان المؤذن بالكوفة بحضرة ابن مسعود وعلي خمس مرات كل يوم، وليست نسبة الرضا بتبديل الاذان إلى علي وابن مسعود بأخف من نسبة ذلك إلى عمر وعثمان فبطل تمويه هذا الجاهل وبان تخليطه.
وكذلك الوضوء من مس الذكر ليست البلوى به بأعظم من البلوى بإيجاب الوضوء من الرعاف والقلس، وقد أوجبه الحنفيون بخبر ساقط ولم يعرفه المالكيون ولا الشافعيون، ولا البلوى أيضا بذلك أعظم من البلوى بإيجاب الوضوء من المسة والقبلة للذة، ومن إيجاب التدلك في الغسل وقد أوجبها المالكيون، ولا يعرف ذلك الحنفيون، ومثل هذا كثير جدا، فإن قالوا: أوجبنا ذلك بالقرآن. قيل لهم: قد عرف القرآن غيركم كما عرفتموه، فما رأوا فيه ما ذكرتم مع عظيم البلوى به، وقد بينا في كتابنا هذا أن مغيب السنة عمن غاب عنه من صاحب أو غيره ليس حجة على من بلغته وإنما الحجة في السنة.
وقد غاب نسخ التطبيق في الركوع عن ابن مسعود وهو مما تعظم به البلوى به،
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122