الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٩٦
أو أوجبت طبيعة ترك طلب حده، وقد قال بعضهم: لا يقبل من الاخبار إلا ما نقلته جماعة لا يحصرها العدد.
قال أبو محمد: وهذا قول من غمره الجهل، لأنه ليس هذا موجدا في العالم أصلا، وكل ما فيه فقد حصره العدد وإن لم نعلمه نحن، وإحصاؤه ممكن لمن تكلف ذلك، فعلى هذا القول الفاسد قد سقط قبول جميع الاخبار جملة وسقط كون النبي صلى الله عليه وسلم في العالم وهذا كفر. وأيضا فيلزم هؤلاء وكل من حد في عدد من لا تصح الاخبار بأقل من نقل ذلك العدد أمر فظيع يدفعه العقل ببديهته، وهو أن لا يصح عندهم كل أمر يشهده أقل من العدد الذي حدوا، وألا يصح عندهم كل أمر حصره عدد من الناس، وكل أمر لم يحصره أهل المشرق والمغرب، فتبطل الاخبار كلها ضرورة على حكم هذه الأقوال الفاسدة، وهم يعرفون بضرورة حسهم صدق أخبار كثيرة من موت وولادة ونكاح وعزل وولاية واغتفال منزل، وخروج عدو شر واقع، وسائر عوارض العالم مما لا يشهده الا النفر اليسير، ومن خالف هذا فقد كابر عقله ولم يصح عنده شئ مما ذكرنا أبدا، لا سيما إن كان ساكنا في قرية ليس فيها إلا عدد يسير، مع أنه لا سبيل له إلى لقاء أهل المشرق والمغرب.
قال علي: فإن سألنا سائل، فقال: ما حد الخبر الذي يوجب الضرورة؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق أننا نقول: إن الواحد من غير الأنبياء المعصومين بالبراهين عليهم السلام - قد يجوز عليه تعمد الكذب، يعلم ذلك بضرورة الحس، وقد يجوز على جماعة كثيرة أن يتواطؤوا على كذبة إذا اجتمعوا ورغبوا أو رهبوا.
ولكن ذلك لا يخفى من قبلهم، بل يعلم اتفاقهم على ذلك الكذب بخبرهم إذا تفرقوا لا بد من ذلك. ولكنا نقول إذا جاء اثنان فأكثر من ذلك، وقد تيقنا أنهما لم يلتقيا، ولا دسسا، ولا كانت لهما رغبة فيما أخبر به، ولا رهبة منه، ولم يعلم أحدهما
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122