(ثانيتها) كون الوجود الخارجي الذي هو فعل المكلف الذي هو موضوع علم الفقه متعلقا للأحكام دون الوجود اللفظي أو الذهني.
(ثالثتها) كون هذا الوجود الواحد بسيطا فلا يتبعض كما أشرنا إليه في الاعتراض.
وتوهم أن انتزاع المفهومين مستلزم لتعدد المنتزع منه فثبت التبعض مدفوع بالنقض بوجود الباري تعالى شأنه وعز اسمه، فإنه مع وحدته وبساطته من جميع الوجوه يصدق عليه المفاهيم المتعددة المختلفة كالعالم والقادر والحي وغيرها من الصفات الكمالية.
(رابعتها) عدم إمكان أن يكون للوجود الواحد ماهيتان، فإنها تابعة له وحدة وتعددا ضرورة أنها عبارة عما يقال في جواب ما هو، وجواب ما هو عبارة عن ذاتيات الشئ، والذات والوجود واحد كما قرر في محله.
فإذا تعلق أمر بشئ كان متعلق الامر وجودا واحدا بسيطا، وإذا تعلق النهي بشئ كان متعلقه أيضا كذلك، فإما أن يجتمعا فهو باطل بمقتضى المقدمة الأولى، وإما أن يكون وجودهما اللفظي أو الذهني متعلقهما فباطل بمقتضى المقدمة الثانية، وإما أن يكون الامر متعلقا ببعض هذا الوجود والنهي ببعضه الاخر فباطل بمقتضى الثالثة، وإما أن يكون تعلقهما باعتبار تعدد ماهيتها فباطل بمقتضى الرابعة، فثبت كون الاجتماع محالا، هذا.
ولكن التحقيق جواز الاجتماع، لان الضدين أمران عرضيان حالان في موضوع واحد على تقدير محال، والوجوب والحرمة ليستا كذلك فلم يمتنع اجتماعهما، لان منشأ الاستحالة هو ذلك كما أشرنا إليه سابقا.
بيان ذلك يحتاج إلى مزيد تفصيل فنقول - بعون الله تعالى -: الحكم إما أن يكون بعثا أو زجرا أو ترخيصا، وكل من الأولين إما أكيد أو غير أكيد، فالأولان الوجوب والندب، والثالث والرابع الحرمة والكراهة، والخامس الإباحة.