تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٠٠
تلبسونها " فاطر: 12.
وأمثل ما قيل في الآيتين أن المراد بالبحرين جنس البحر المالح الذي يغمر قريبا من ثلاثة أرباع الكرة الأرضية من البحار المحيطة وغير المحيطة، والبحر العذب المدخر في مخازن الأرض التي تنفجر الأرض عنها فتجري العيون والأنهار الكبيرة فتصب في البحر المالح، ولا يزالان يلتقيان، وبينهما حاجز وهو نفس المخازن الأرضية والمجاري يحجز البحر المالح أن يبغي على البحر العذب فيغشيه ويبدله بحرا مالحا وتبطل بذلك الحياة، ويحجز البحر العذب أن يزيد في الانصباب على البحر المالح فيبدله ماء عذبا فتبطل بذلك مصلحة ملوحته من تطهير الهواء وغيره.
ولا يزال البحر المالح يمد البحر العذب بالأمطار التي تأخذها منه السحب فتمطر على الأرض وتدخرها المخازن الأرضية والبحر العذب يمد البحر المالح بالانصباب عليه.
فمعنى الآيتين - والله أعلم - خلط البحرين العذب الفرات والملح الأجاج حال كونهما مستمرين في تلاقيهما بينهما حاجز لا يطغيان بأن يغمر أحدهما الآخر فيذهب بصفته من العذوبة والملوحة فيختل نظام الحياة والبقاء.
قوله تعالى: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي من البحرين العذب والمالح جميعا وذلك من فوائدهما التي ينتفع بها الانسان، وقد تقدم فيه الكلام في تفسير قوله تعالى:
" وما يستوي البحران " الآية، فاطر: 12.
قوله تعالى: " وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام " الجواري جمع جارية وهي السفينة، والمنشآت اسم مفعول من الانشاء وهو إحداث الشئ وتربيته، والاعلام جمع علم بفتحتين وهو الجبل.
وعد الجواري مملوكة له تعالى مع كونها من صنع الانسان لان الأسباب العاملة في إنشائها من خشب وحديد وسائر أجزائها التي تتركب منها والانسان الذي يركبها وشعوره وفكره وإرادته كل ذلك مخلوق له ومملوك فما ينتجه عملها من ملكه.
فهو تعالى المنعم بها للانسان ألهمه طريق صنعها والمنافع المترتبة عليها وسبيل الانتفاع بمنافعها الجمة.
قوله تعالى: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " ضمير " عليها " للأرض أي كل ذي شعور وعقل على الأرض سيفنى وفيه تسجيل الزوال والدثور على الثقلين.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست