تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٩١
ومن هنا يظهر أن المراد بكل شئ في قوله: " وخلق كل شئ فقدره تقديرا " الفرقان: 3، وقوله: " إنا كل شئ خلقناه بقدر " القمر: 49، وقوله: " وكل شئ عنده بمقدار " الرعد: 8، وقوله: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، الأشياء الواقعة في عالمنا المشهود، من الطبيعيات الواقعة تحت الخلق والتركيب، أو أن للتقدير مرتبتين: مرتبة تعم جميع ما سوى الله وهي تحديد أصل الوجود بالامكان والحاجة وهذا يعم جميع الموجودات ما خلا الله سبحانه، قال تعالى: " وكان الله بكل شئ محيطا " النساء: 126.
ومرتبة تخص عالمنا المشهود وهي تحديد وجود الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها وآثار وجودها وخصوصيات كونها بما أنها متعلقة الوجود والآثار بأمور خارجة من العلل والشرائط فيختلف وجودها وأحوالها باختلاف عللها وشرائطها فهي مقلوبة بقوالب من داخل وخارج تعين لها من العرض والطول والشكل والهيئة وسائر الأحوال والافعال ما يناسبها.
فالتقدير يهدي هذا النوع من الموجودات إلى ما قدر لها في مسير وجودها، قال تعالى:
" الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى " الاعلى: 3، أي هدى ما خلقه إلى ما قدر له، ثم أتم ذلك بإمضاء القضاء، وفي معناه قوله في الانسان: " من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره " عبس: 20، ويشير بقوله: " ثم السبيل يسره " إلى أن التقدير لا ينافي اختيارية أفعاله الاختيارية.
وهذا النوع من القدر في نفسه غير القضاء الذي هو الحكم البتي منه تعالى بوجوده " والله يحكم لا معقب لحكمه " الرعد: 41، فربما قدر ولم يعقبه القضاء كالقدر الذي يقتضيه بعض العلل والشرائط الخارجة ثم يبطل لمانع أو باستخلاف سبب آخر، قال تعالى: " يمحو الله ما يشاء ويثبت " الرعد: 39، وقال: " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " البقرة: 106، وربما قدر وتبعه القضاء كما إذا قدر من جميع الجهات باجتماع جميع علله وشرائطه وارتفاع موانعه.
وإلى ذلك يشير قوله عليه السلام في خبر المحاسن السابق: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له، وقريب منه ما في عدة من أخبار القضاء والقدر ما معناه أن القدر يمكن أن يتخلف وأما القضاء فلا يرد.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست