تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٦١
نرسل بالآيات إلا تخويفا " أسرى: 59 فإن مفاد الآية إما أنا لا نرسل بالآيات إلى هذه الأمة لان الأمم السابقة كذبوا بها وهؤلاء يماثلونهم في طباعهم فيكذبون بها، ولا فائدة في الارسال مع عدم ترتب أثر عليه أو المفاد أنا لا نرسل بها لأنا أرسلنا إلى أوليهم فكذبوا بها فعذبوا وأهلكوا ولو أرسلنا إلى هؤلاء لكذبوا بها وعذبوا عذاب الاستئصال لكنا لا نريد أن نعاجلهم بالعذاب، وعلى أي حال لا يرسل بالآيات إلى هذه الأمة كما كانت ترسل إلى الأمم الدارجة.
نعم هذا في الآيات المرسلة باقتراح من الناس دون الآيات التي تؤيد بها الرسالة كالقرآن المؤيد لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكآيتي العصا واليد لموسى عليه السلام وآية إحياء الموتى وغيرها لعيسى عليه السلام، وكذا الآيات النازلة لطفا منه سبحانه كالخوارق الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا عن اقتراح منهم.
ومثل الآية السابقة قوله تعالى: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا - إلى أن قال - قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " أسرى: 93 وغير ذلك من الآيات.
والجواب عن هذا الاعتراض يحتاج إلى تقديم مقدمة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رسولا إلى أهل الدنيا كافة بنبوة خاتمة كما يدل عليه قوله تعالى: " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الأعراف: 158، وقوله و: " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " الانعام: 19، وقوله: " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " الأحزاب: 40 إلى غير ذلك من الآيات.
وقد بدأ صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة بدعوة قومه من أهل مكة وحواليها فقابلوه بما استطاعوا من الشقاق والايذاء والاستهزاء وهموا بإخراجه أو إثباته أو قتله حتى أمره ربه بالهجرة غير أنه آمن به وهو بمكة جمع كثير منهم وإن كانت عامتهم على الكفر والمؤمنون وإن كانوا قليلين بالنسبة إلى المشركين مضطهدين مفتنين لكنهم كانوا في أنفسهم جمعا ذا عدد كما يدل عليه قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة " النساء:
177. فقد استجازوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقاتلوا المشركين فلم يأذن الله لهم في ذلك على ما روي في سبب نزول الآية، وهذا يدل على أنهم كانوا ذوي عدة وعدة في الجملة ولم يزالوا يزيدون جمعا.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست