تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٨
ويمكن حمل الآية على هذا المعنى على تقدير كون " لا " نافية بأن تكون الجملة إخبارا أريد به الانشاء وهو أبلغ من الانشاء.
قال في الكشاف: وإن جعلتها يعني جملة " لا يمسه إلا المطهرون " صفة للقرآن فالمعنى:
لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس يعني مس المكتوب منه، انتهى وقد عرفت صحة أن يراد بالمس العلم والاطلاع على تقدير كونها صفة للقرآن كما يصح على تقدير كونها صفة لكتاب مكنون.
وقوله: " تنزيل من رب العالمين " وصف آخر للقرآن، والمصدر بمعنى اسم المفعول أي منزل من عند الله إليكم تفتهمونه وتعقلونه بعد ما كان في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون.
والتعبير عنه تعالى برب العالمين للإشارة إلى أن ربوبيته تعالى منبسطة على جميع العالمين وهم من جملتهم فهو تعالى ربهم وإذا كان ربهم كان عليهم أن يؤمنوا بكتابه ويصغوا لكلامه ويصدقوه من غير تكذيب.
قوله تعالى: " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون " الإشارة بهذا الحديث إلى القرآن، والادهان به التهاون به وأصله التليين بالدهن استعير للتهاون، والاستفهام للتوبيخ يوبخهم تعالى على عدهم أمر القرآن هينا لا يعتنى به.
قوله تعالى: " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " قيل: المراد بالرزق حظهم من الخير، والمعنى: وتجعلون حظكم من الخير الذي لكم أن تنالوه بالقرآن أنكم تكذبون به أي تضعونه موضعه، وقيل: المراد بالرزق القرآن رزقهم الله إياه، والمعنى: تأخذون التكذيب مكان هذا الرزق الذي رزقتموه، وقيل الكلام بحذف مضاف والتقدير:
وتجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون أي وضعتم التكذيب موضع الشكر.
قوله تعالى: " فلولا إذا بلغت الحلقوم - إلى قوله صادقين " رجوع إلى أول الكلام بالتفريع على تكذيبهم بأنكم إن كنتم صادقين في نفيكم للبعث مصيبين في تكذيبهم لهذا القرآن الذي ينبؤكم بالبعث رددتم نفس المحتضر التي بلغت الحلقوم إذ لو لم يكن الموت بتقدير من الله كان من الأمور الاتفاقية التي ربما أمكن الاحتيال لدفعها، فإذا لم تقدروا على رجوعها وإعادة الحياة معها فاعلموا أن الموت حق مقدر من الله لسوق النفوس إلى البعث والجزاء.
فقوله: " فلولا إذا بلغت الحلقوم " تفريع على تكذيبهم بالقرآن وبما أخبر به من
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست