الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠
الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعلموا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين. والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين. ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم. ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور. ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير. ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلى الكبير. ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح
____________________
قيل: حتى تأتيهم الساعة أو تأتيهم عذابها، فوضع يوم عقيم موضع الضمير. فإن قلت: التنوين في (يومئذ) عن أي جملة ينوب؟ قلت: تقديره الملك يوم يؤمنون أو يوم تزول مريتهم لقوله - ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة - لما جمعتهم المهاجرة في سبيل الله سوى بينهم في الموعد، وأن يعطى من مات منهم مثل ما يعطى من قتل تفضلا منه وإحسانا. والله عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم (حليم) عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه. روى أن طوائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم قالوا: يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله هاتين الآيتين. تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث إنه سبب وذاك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة. فإن قلت: كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع؟ قلت: المعاقب مبعوث من جهة الله عز وجل على الاخلال بالعقاب والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قوله تعالى - فمن عفا وأصلح فأجره على الله - وأن تعفوا أقرب للتقوى - ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور - " فإن الله لعفو غفور " أي لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه. ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي ويعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ويلوح به بذكر هاتين الصفتين، أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده (ذلك) أي ذلك النصر بسبب أنه قادر. ومن آيات قدرته البالغة أنه (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصر فهما فلا يخفى عليه ما يجرى فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانصاف، وأنه (سميع) لما يقولون (بصير) بما يفعلون. فإن قلت: ما معنى إيلاج أحد الملوين في الاخر؟ قلت: تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء ذاك بغيبوبة الشمس، وضياء ذاك في مكان ظلمة هذا بطلوعها كما يضئ السرب بالسراج ويظلم بفقده. وقيل هو زيادته في أحدهما ما ينقص من الاخر الساعات. وقرئ (تدعون) بالتاء والياء وقرأ اليماني وأن ما يدعون بلفظ المبنى للمفعول والواو راجعة إلى ما لأنه في معنى الألهة: أي ذلك الوصف
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»