الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣١
وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. إن في ذلك لايات وإن كنا لمبتلين. ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين. فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون. وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون.
____________________
يزيدوا إلا ضلالا ولزمتهم الحجة البالغة لم يبق إلا أن يجعلوا عبرة للمعتبرين. ولقد بالغ في ذلك حيث أتبع النهى عنه الامر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم كقوله - فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين - ثم أمره أن يدعوه بدعاء هو أهم وأنفع له وهو طلب أن ينزله في السفينة أو في الأرض عند خروجه منها منزلا يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين، وأن يشفع الدعاء بالثناء عيه المطابق لمسألته وهو قوله (وأنت خير المنزلين) فإن قلت: هلا قيل فقولوا لقوله - فإذا استويت أنت ومن معك - لأنه في معنى فإذا استويتم؟ قلت: لأنه نبيهم وإمامهم فكان قوله قولهم مع ما فيه من الاشعار بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية، وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي. وقرئ منزلا بمعنى إنزالا أو موضع إنزال كقوله - ليدخلهم منزلا يرضونه - (إن) هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بين النافية وبينها في المعنى وإن الشأن والقصة (كنا لمبتلين) أي مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد، أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويدكر كقوله تعالى - ولقد تركناها آية فهل من مدكر - (قرنا آخرين) هم عاد قوم هود. عن ابن عباس رضي الله عنهما: وتشهد له حكاية الله تعالى قوله هود - واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح - ومجئ قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء. فإن قلت: حق أرسل أن يعدى بإلى كأخواته التي هي وجه وأنفذ وبعث، فما باله عدى في القرآن بإلى تارة وبفي أخرى كقوله - كذلك أرسلناك في أمة - وما أرسلناك في قرية من نذير - (فأرسلنا فيهم رسولا) أي في عاد وفي موضع آخر وإلى عاد أخاهم هودا. قلت: لم يعد بفي كما عدى بإلى ولم يجعل صلة مثله، ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعا للارسال كما قال رؤبة * أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام * وقد جاء بعث على ذلك في قوله - ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا - (أن) مفسرة لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول (اعبدوا الله). فإن قلت: ذكر مقام هود في جوابه في سورة الأعراف وسورة هود بغير واو - قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة - قالوا يا هود ما جئتنا ببينة - وههنا مع الواو فأي فرق بينهما. قلت:
الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: قالوا كيت وكيت. وأما الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله، ومعناه أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وشتان ماهما (بلقاء الآخرة) بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب كقولك يا حبذا جوار مكة: أي جوار الله في مكة. حذف الضمير، والمعنى: من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه (إذا) واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم: أي تخسرون عقولكم وتغبنون في آرائكم. ثنى (أنكم) للتوكيد وحسن ذلك لفصل ما بين الأول والثاني
(٣١)
مفاتيح البحث: الأكل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»