الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥
نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون. إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون.
والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون. ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون. بل قلوبهم في غرمة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون.
____________________
سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره. وقرئ يمدهم ويسارع ويسرع بالياء والفاعل الله سبحانه وتعالى، ويجوز في يسارع ويسرع أن يتضمن ضمير الممد به ويسارع مبنيا للمفعل والمعنى: أن هذا الامداد ليس إلا استدراجا لهم إلى المعاصي واستجرارا إلى زيادة الاثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات وفيما لهم فيه نفع وإكرام ومعاجلة بالثواب قبل وقته. ويجوز أن يراد في جزاء الخيرات كما يفعل بأهل الخير من المسلمين، و (بل) استدراك لقوله أيحسبون، يعنى بل هم أشباه البهائم لا فطنة بهم ولا شعور حتى يتأملوا ويتفكروا في ذلك أهو استدراج أم مسارعة في الخير. فإن قلت: أين الراجع من خبر أن إلى اسمها إذا لم يستكن فيه ضميره؟ قلت: هو محذوف تقديره نسارع به ويسارع به ويسارع الله به كقوله - إن ذلك لمن عزم الأمور - أي إن ذلك منه وذلك لاستطالة الكلام مع أمن الالباس (يؤتون ما آتوا) يعطون ما أعطوا، وفى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة يأتون ما أتوا: أي يفعلون ما فعلوا وعنها " أنها قالت: قلت يا رسول الله هو الذي يزنى ويسرق ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال لا يا ابنة الصديق، ولكن هو الذي يصلى ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله أن لا يقبل منه " (يسارعون في الخيرات) يحتمل معنيين:
أحدهما أن يراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها. والثاني أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع ووجوه الاكرام كما قال - فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة - وأتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - لانهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لان فيه إثبات ما نفى عن الكافر للمؤمنين، وقرئ يسرعون في الخيرات (لها سابقون) أي فاعلون السبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها أو إياها سابقون: أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون لها سابقون خبرا بعد خبر، ومعنى وهم لها كمعنى قوله * أنت لها أحمد من بين البشر * يعنى أن هذا الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة، وكذلك كل ما كلفه عباده وما عملوه من الأعمال فغير ضائع عنده بل هو مثبت لديه في كتاب، يريد اللوح أو صحيفة الأعمال ناطق بالحق لا يقرون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحدا، أو أراد أن الله لا يكلف إلا الوسع، فإن لم يبلغ المكلف أن يكون على صفة هؤلاء السابقين بعد أن يستفرغ وسعه ويبذل طاقته فلا عليه، ولدينا كتاب فيه عمل السابق والمقتصد، ولا نظلم أحدا من حقه ولا نحطه دون درجته. بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها (من هذا) أي مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين (ولهم أعمال) متجاوزة متخطية لذلك: أي لما وصف به المؤمنون (هم لها) معتادون وبها ضارون
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»