الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٦
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجارون لا تجاروا اليوم إنكم منا لا تنصرون.
قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون. مستكبرين به سامرا تهجرون. أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون.
____________________
لا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب. وحتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام الجملة الشرطية، والعذاب قتلهم يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقد والأولاد ". الجؤار: الصراخ باستغاثة قال * جأر ساعات النيام لربه * أي يقال لهم حينئذ (لا تجأروا) فإن الجؤار غير نافع لكم (منا لا تنصرون) لا تغاثون ولا تمنعون منا أو من جهتنا لا يلحقكم نصر ومغوثة. قالوا الضمير في (به) للبيت العتيق أو للحرم كانوا يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم والذي سوغ هذا الاضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت وأنه لم تكن له مفخرة إلا أنهم ولاته والقائمون به. ويجوز أن يرجع إلى آياتي إلا أنه ذكر لأنها في معنى كتابي، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكبارا، ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدى تعديته، أو يحدث لكم استماعه استكبارا وعتوا فأنتم مستكبرون بسببه، أو تتعلق الباء بسامرا: أي تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون، وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بتهجرون، والسامر نحو الحاضر في الاطلاق على الجمع. وقرئ سمرا وسمارا وتهجرون وتهجرون من أهجر في منطقه إذا أفحش، والهجر بالضم الفحش، ومن هجر الذي هو مبالغة في هجر إذا هذى، والهجر بالفتح الهذيان (القول) القرآن. يقول أفلم يتدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به، بل أ (جاءهم مال يأت آباءهم) فلذلك أنكروه واستبدعوه كقوله - لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون - أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الامن مالم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه، وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين، ولا تسبوا قسا فإنه كان مسلما، ولا تسبوا الحرث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر فإنهم كانوا على الاسلام، وما شككتم فيه من شئ فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما " وروى " في أن ضبة كان مسلما وكان على شرطة سليمان بن داود " (أم لم يعرفوا) محمدا وصحة نسبه وحلوله في سطة هاشم وأمانته وصدقه وشهامته وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش، والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح خديجة بنت خويلد كفى برغائها مناديا. الجنة: الجنون، وكانوا يعلمون أنه برئ منها وأنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا، ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم ولم يوافق ما نشئوا عليه وسيط بلحومهم ودمائهم من اتباع الباطل ولم يجدوا له مردا ولا مدفعا لأنه الحق الأبلج والصراط المستقيم، فأخلدوا إلى
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»