الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٥
قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون.
____________________
(قد) نقيضة لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهى الاخبار بثبات الفالح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. والفلاح الظفر بالمراد، وقيل البقاء في الخير، و (أفلح) دخل في الفلاح كأبشر دخل في البشارة، ويقال أفلحه أصاره إلى الفلاح، وعليه قراءة طلحة بن مصرف أفلح على البناء للمفعول، وعنه أفلحوا على أكلوني البراغيث أو على الابهام والتفسير وعنه أفلح بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله: * فلو أن الأطباء كان حولي *. فإن قلت: ما المؤمن؟ هو في اللغة المصدق، وأما في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين: أحدهما أن كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فهو مؤمن، والاخر أنه صفة مدح لا يستحقها إلا البر التقى دون الفاسق الشقى. الخشوع في الصلاة خشية القلب وإلباد البصر عن قتادة وهو إلزامه موضع السجود. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يصلى رافعا بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده " وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شئ أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا. وقيل هو جمع الهمة لها والاعراض عما سواها. ومن الخشوع أن يستعمل الآداب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك والاختصار وتقليب الحصا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلبه خضعت جوارحه " ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصا وهو يقول: اللهم زوجني الحور العين، فقال: بئس الخاطب أنت، تخطب وأنت تعبث. فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟ قلت: لان الصلاة دائرة بين المصلى والمصلى له، فالمصلى هو المنتفع بها وحده وهى عدته وذخيرته فهي صلاته، وأما المصلى له فغنى متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها. اللغو: مالا يعنيك من قول أو فعل كاللعب والهزل وما توجب المروءة
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»