الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢١
الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير. له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغنى الحميد. ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجرى في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤف رحيم. وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الانسان لكفور. لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم.
____________________
بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجرى فيهما وإدراك كل قول وفعل بسبب أنه الله الحق الثابت إلهيته، وأن كل ما يدعى إلها دونه باطل الدعوة، وأنه لا شئ أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا. قرئ (مخضرة) أي ذات خضر على مفعلة كمقبلة ومسبعة. فإن قلت: هلا قيل فأصبحت ولم صرف إلى لفظ المضارع. قلت: لنكتة فيه وهى إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول: أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكرا له، ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع. فإن قلت: فما له رفع ولم ينصب جوابا للاستفهام؟ قلت: لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض، لان معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار، مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر، إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه فيه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الاعراب وتوقير أهله (لطيف) واصل علمه أو فضله إلى كل شئ (خبير) بمصالح الخلق ومنافعهم (ما في الأرض) من البهائم مذللة للركوب في البر، ومن المراكب جارية في البحر وغير ذلك من سائر المسخرات. وقرئ (والفلك) بالرفع على الابتداء (أن تقع) كراهة أن تقع (إلا) بمشيئته (أحياكم) بعد أن كنتم جمادا ترابا ونطفة وعلقة ومضغة (لكفور) لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم هو نهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي لا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك، أو هو زجر لهم عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنازعة في الدين، وهم جهال لا علم عندهم وهم كفار خزاعة. روى أن بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما قالوا للمسلمين: مالكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنون الميتة. وقال الزجاج: هو نهى له صلى الله عليه وسلم عن منازعتهم كما تقول: لا يضاربنك فلان:
أي لا تضار به، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا بين اثنين (في الامر) في أمر الدين، وقيل في أمر النسائك.
وقرئ فلا ينزعنك: أي أثبت في دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه، والمراد زيادة التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله ولدينه، ومنه قوله - ولا يصدنك عن آيات الله - ولا تكونن من المشركين - فلا تكونن ظهيرا للكافرين - وهيهات أن ترتع همة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول ذلك الحمى، ولكنه وارد على ما قلت لك من إرادة التهييج والالهاب. وقال الزجاج: هو من نازعته فنزعته أنزعه: أي غلبته:
أي لا يغلبنك في المنازعة. فإن قلت: لم جاءت نظيرة هذه الآية معطوفة بالواو وقد نزعت عن هذه؟ قلت: لان تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الاى الواردة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا: أي وإن أبوا للجاجهم إلا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع،
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»