الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢
وان جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون. ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير. ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قلب أفأنبئكم بشر من ذلك النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير. يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم
____________________
فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به، وهذا وعيد وإنذار ولكن برفق ولين (الله يحكم بينكم) خطاب من الله للمؤمنين والكافرين: أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب مسلاة للنبي صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم وكيف يخفى عليه ما يعملون، ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث في السماوات والأرض وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه. والإحاطة بذلك وإثباته وحفظه عليه (يسير) لان العالم بالذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم (ويعبدون) ما لم يتمسكوا في صحة عبادته ببرهان سماوي من جهة الوحي والسمع، ولا ألجأهم إليها علم ضروري، ولا حملهم عليها دليل عقلي (وما) للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم (المنكر) الفظيع من التجهم والبسور، أو الانكار كالمكرم بمعنى الاكرام.
وقرئ يعرف والمنكر. والسطو: الوثب والبطش. قرئ (النار) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا قال ما هو؟ فقيل النار: أي هو النار، وبالنصب على الاختصاص وبالجر على البدل من شر من ذلكم من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم، أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم (وعدها الله) استئناف كلام، ويحتمل أن تكون النار مبتدأ، أو وعدها خبرا وأن يكون حالا عنها إذا نصبتها أو جررتها بإضمار قد. فإن قلت:
الذي جاء به ليس بمثل فكيف سماه مثلا؟ قلت: قد سميت الصفة أو القصة الرائعة المتلقاة بالاستحسان والاستغراب مثلا تشببها لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستحسنة مستغربة عندهم. قرئ (تدعون) بالتاء والياء، ويدعون مبنيا للمفعول (لن) أخت لا في نفى المستقبل إلا أن تنفيه نفيا مؤكدا، وتأكيده ههنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم كأنه قال: محال أن يخلقوا. فإن قلت: ما محل (ولو اجتمعوا له). قلت: النصب على الحال كأنه قال: مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه، وهذا من
(٢٢)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»