الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق. ذلك ومن يعظم حرمات الله.
____________________
وقرئ يشرك بالياء على الغيبة (وأذن في الناس) ناد فيهم، وقرأ ابن محيصن وآذن. والنداء بالحج أن يقول: حجوا أو عليكم بالحج. وروى أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم، وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع (رجالا) مشاة جمع راجل كقائم وقايم. وقرئ رجالا بضم الراء مخفف الجيم ومثقله ورجالي كعجلي عن ابن عباس (وعلى كل ضامر) حال معطوفة على حال كأنه قال رجالا وركبانا (يأتين) صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع. وقرئ يأتون صفة للرجال والركبان. والعميق البعيد. قرأ ابن مسعود معيق، يقال بئر بعيدة العمق والمعق. نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حج فضل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص. وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله، لان أهل الاسلام لا ينفكون عن ذلك اسمه إذا نحروا أو ذبحوا، وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه، وقد حسن الكلام تحسينا بينا أن جمع بين قوله - ليذكروا اسم الله - وقوله - على ما رزقهم - ولو قيل لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام لم تر شيئا من ذلك الحسن والروعة الأيام المعلومات: أيام العشر عند أبي حنيفة، وهو قوله الحسن وقتادة، وعند صاحبيه أيام النحر. البهمية مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالانعام وهى الإبل والبقر والضأن والمعز الامر بالاكل منها أمر إباحة لان أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم. ويجوز أن يكون ندبا لما فيه من مساواة الفقراء ومواساتهم ومن استعمال التواضع، ومن ثمة استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث. وعن ابن مسعود أنه بعث بهدى وقال فيه: إذا نحرته فكل وتصدق وابعث منه إلى عتبة: يعنى ابنه. وفى الحديث " كلوا وادخروا وائتجروا " (البائس) الذي أصابه بؤس أي شدة. و (الفقير) الذي أضعفه الاعسار. قضاء التفث: قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث: الوصخ، فالمراد قضاء إزالة التفث: وقرئ وليوفوا بتشديد الفاء (نذورهم) مواجب حجهم أو ما عسى ينذرونه من أعمال البر في حجهم (وليطوفوا) طاف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحجر ويقع به تمام التحلل. وقيل طواف الصدر وهو طواف الوداع (العتيق) القديم لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن. وعن قتادة: أعتق من الجبابرة كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله. وعن مجاهد:
لم يملك قط. وعنه: أعتق من الغرق، وقيل بيت كريم من قولهم عتاق الخيل والطير. فإن قلت: قد تسلط عليه الحجاج فلم يمنع. قلت: ما قصد التسلط على البيت، وإنما تحصن به ابن الزبير فاحتال لاخراجه ثم بناه، ولما قصد التسلط عليه أبرهة فعل به ما فعل (ذلك) خبر مبتدأ محذوف: أي الامر والشأن ذلك كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال هذا وقد كان كذا. والحرمة مالا يحل هتكه،
(١١)
مفاتيح البحث: الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»