الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٨
وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدى من يريد. إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شئ شهيد. ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم
____________________
مالا يضره ومالا ينفعه ثم قال " لمن ضره " بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفعيا لبئس المولى، وفى حرف عبد الله من ضره بغير لام. المولى الناصر، والعشير الصاحب كقوله - فبئس القرين - هذا كلام قد دخله اختصار، والمعنى: أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة، فمن كان يظن من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه ويغيظه أنه يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مد حبلا إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه. وسمى الاختناق قطعا لان المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه، ومنه قيل للبهر القطع. وسمى فعله كيدا لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاد به نفسه، والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه. وقيل فليمدد بحبل إلى السماء المظلة، وليصعد عليه فليقطع الوحي أن ينزل عليه. وقيل كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يثبت مره فنزلت وقد فسر النصر بالرزق. وقيل معناه: أن الأرزاق بيد الله لا تنال إلا بمشيئته، ولا بد للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظن أن الله غير رازقه وليس به صبر واستسلام فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقا: أي ومثل ذلك الانزال أنزلنا القران كله (آيات بينات و) لان (الله يهدى) به الذين يعلم أنهم يؤمنون أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى أنزله كذلك مبينا. الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعا، فلا يجازيهم جزاء واحدا بغير تفاوت ولا يجمعهم في موطن واحد. وقيل الأديان خمسة: أربعة للشيطان، وواحد للرحمن. جعل الصابئون مع النصارى لانهم نوع منهم. وقيل يفصل بينهم: يقضى بينهم: أي بين المؤمنين والكافرين، وأدخلت إن على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التوكيد، ونحوه قول جرير:
إن الخيفة إن الله سربله * سربال ملك به ترجى الخواتيم سميت مطاوعتها له فيما يحدث فيها من أفعاله ويجريها عليه من تدبيره وتسخيره لها سجودا له تشبيها لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والانقياد وهو السجود الذي كل خضوع دونه. فإن قلت: فما تصنع بقوله (وكثير من الناس) وبما فيه من الاعتراضين: أحدهما أن السجود على المعنى الذي فسرته به لا يسجده بعض الناس دون بعض، والثاني أن السجود قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجن أولا، فإسناده إلى كثير منهم آخرا مناقضة؟ قلت: لا أنظم كثيرا في المفردات المتناسقة الداخلة تحت حكم الفعل، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدل عليه قوله يسجد: أي ويسجد كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ولم أقل أفسر يسجد الذي هو
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»