الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥
ويتبع كل شيطان مريد. كتب عليه انه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير. يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم
____________________
من الخوف وما هم بسكارى من الشراب. فإن قلت: لم قيل أو لا ترون؟ ثم قيل ترى على الافراد؟ قلت: لان الرؤية أولا علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعا رائين لها، وهى معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر فلابد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم. قيل نزلت في النضر بن الحرث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين والله غير قادر على إحياء من بلى وصار ترابا، وهى عامة في كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله وما لا يجوز من الصفات والافعال ولا يرجع إلى علم ولا يعض فيه بضرس قاطع وليس فيه اتباع للبرهان ولا نزول على النصفة، فهو يخبط خبط عشواء غير فارق بين الحق والباطل (ويتبع) في ذلك خطوات (كل شيطان) عات علم من حاله وظهر وتبين أنه من جعله وليا له لم تثمر له ولايته إلا الإضلال عن طريق الجنة والهداية إلى النار، وما أرى رؤساء أهل الأهواء والبدع والحشوية المتلقبين بالإمامة في دين الله إلا داخلين تحت كل هذا دخولا أوليا، بل هو أشد الشياطين إضلالا وأقطعهم لطريق الحق حيث دونوا الضلال تدوينا ولقنوا أشياعهم تلقينا وكأنهم ساطوه بلحومهم ودمائهم، وإياهم عنى من قال:
ويا رب مقفوا الخطأ بين قومه * طريق نجاة عندهم مستو نهج ولو قرأوا في اللوح ماخط فيه من * بيان اعوجاج في طريقته عجوا اللهم ثبتنا على المعتقد الصحيح الذي رضيته لملائكتك في سمواتك وأنبيائك في أرضك، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. والكتبة عليه مثل: أي كأنما كتب إضلال من يتولاه عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله.
وقرئ أنه، فأنه بالفتح والكسر، فمن فتح فلان الأول فاعل كتب والثاني عطف عليه، ومن كسر فعلى حكاية المكتوب كما هو، كأنما كتب عليه هذا الكلام كما تقول: كتبت إن الله هو الغنى الحميد، أو على تقدير قيل أو على أن كتب فيه معنى القول. قرأ الحسن من البعث بالتحريك ونظيره الجلب والطرد في الجلب والطرد، كأنه قيل:
إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم. والعلقة: قطعة الدم الجامدة. والمضغة: اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ. والمخلقة: المسواة الملساء من النقصان والعيب، يقال خلق السواك والعود: إذا سواه وملسه، من قولهم صخرة خلقاء: إذا كانت ملساء، كأن الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم. وإنما نقلناكم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة (لنبين لكم) بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ثم من نطفة ثانيا ولا تناسب بين الماء والتراب، وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاما، قدر على إعادة ما أبداه، بل هذا أدخل في القدرة من تلك وأهون في القياس، وورود الفعل غير معدى إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ملا يكتنهه الذكر ولا يحيط به الوصف. وقرأ ابن أبي ليبين لكم ويقر بالياء. وقرئ ونقر ونخرجكم
(٥)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»