الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٨
تعمى القلوب التي في الصدور. ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون. وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير. قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين. فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم. والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك أصحاب الجحيم. وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى
____________________
ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهوا منى ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا. أنكر استعجالهم بالمتوعد به من العذاب العاجل أو الاجل كأنه قال: ولم يستعجلون به كأنهم يجوزون الفوت، وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف والله عز وعلا لا يخلف الميعاد وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين، وهو سبحانه حليم لا يعجل، ومن حلمه ووقاره واستقصاره المدد الطوال أن يوما واحدا عنده كألف سنة عندكم، وقيل معناه: كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لان أيام الشدائد مستطالة، أو كأن ذلك اليوم الواحد لشدة عذابه كألف سنة من سنى العذاب. وقيل ولن يخلف الله وعده في النظرة والامهال. وقرئ تعدون بالتاء والياء. ثم قال: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حينا ثم أخذتهم بالعذاب والمرجع إلى وإلى حكمي. فإن قلت: لم كانت الأولى معطوفة بالفاء وهذه بالواو؟ قلت:
الأولى وقعت بدلا عن قوله - فكيف كان نكير - وأما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو أعني قوله - ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة - يقال سعيت في أمر فلان: إذا أصلحه أو أفسده بسعيه. وعاجزه سابقه لان كل واحد منهما في طلب إعجاز الاخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، والمعنى: سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحرا وشعرا وأساطير، ومن تثبيط الناس عنها سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للاسلام يتم لهم. فإن قلت: كان القياس أن يقال إنما أنا لكم بشير ونذير لذكر الفريقين بعده. قلت: الحديث مسوق إلى المشركين، ويا أيها الناس نداء لهم وهم الذين قيل فيهم - أفلم يسيروا في الأرض - ووصفوا بالاستعجال، وإنما أقحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا (من رسول ولا نبي) دليل بين على تغاير الرسول والنبي. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل عن الأنبياء فقال:
مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، قيل: فكم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا " والفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر
(١٨)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»