الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩
ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد. وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم. ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم.
____________________
أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله. والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمر به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة والنجم وهو في نادى قومه وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله - ومناة الثالثة الأخرى - (ألقى الشيطان في أمنيته) التي تمناها: أي وسوس إليه بما شيعها به، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. وروى الغرائقة ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه. وقيل نبهه جبريل عليه السلام، أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء زاد المنافقون به شكا وظلمة والمؤمنون نورا وإيقانا. والمعنى: أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت مكن الله الشيطان ليلقى في أمانيهم مثل ما ألقى في أمنيتك إرادة امتحان من حولهم، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في عقاب المذبذبين، وقيل تمنى قرأ وأنشد:
تمنى كتاب الله أول ليلة * تمنى داود الزبور على رسل وأمنيته: قراءته، وقيل تلك الغرانيق إشارة إلى الملائكة أي هم الشفعاء لا الأصنام (فينسخ الله ما يلقى الشيطان) أي يذهب به ويبطله (ثم يحكم الله آياته) أي يثبتها. والذين (في قلوبهم مرض) المنافقون والشاكون (والقاسية قلوبهم) المشركون المكذبون (وإن الظالمين) يريد وإن هؤلاء المنافقين والمشركين وأصله وأنهم فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم (أنه الحق من ربك) أي ليعلموا أن تمكين الشيطان من الالقاء هو الحق من ربك والحكمة (وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى) أن يتأولوا ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة، ويطلبوا لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول المحكمة والقوانين الممهدة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة ولا تزل أقدامهم، وقرئ لهاد الذين آمنوا بالتنوين. الضمير في (مرية منه) للقرآن أو للرسول صلى الله عليه وسلم. اليوم العقيم يوم بدر. وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لان أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن، آو لان المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب، فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقيم على سبيل المجاز. وقيل هو الذي لا خير فيه، يقال ريح عقيم: إذا لم تنشئ مطرا ولم تلقح شجرا. وقيل لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة عليهم السلام فيه.
وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته، ويجوز أن يراد بالساعة وبيوم عقيم يوم القيامة، وكأنه
(١٩)
مفاتيح البحث: المرض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»