الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٤
لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق. ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا
____________________
ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لابد من راجع من الجزاء إلى من ليرتبط به، وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء (إلى أجل مسمى) إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها. و (ثم) للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأحوال، والمعنى: أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وإنما يعتد الله بالمنافع الدينية، قال سبحانه - تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة - وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع (محلها إلى البيت) أي وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها في الحرم منهية إلى البيت كقوله - هديا بالغ الكعبة - والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت لان الحرم هو حريم البيت، ومثل هذا في الاتساع قولك بلغنا البلد وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل المراد بالشعائر المناسك كلها، ومحلها إلى البيت العتيق يأباه شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له: أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك. وقرئ (منسكا بفتح السين وكسرها وهو مصدر بمعنى النسك والمكسور يكون بمعنى الموضع (فله أسلموا) أي أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه لوجهه سالما: أي خالصا لا تشوبوه بإشراك. المخبتون: المتواضعون الخاشعون من الخبت وهو المطمئن من الأرض، وقيل هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقرأ الحسن (والمقيمي الصلاة) بالنصب على تقدير النون، وقرأ ابن مسعود والمقيمين الصلاة على الأصل (البدن) جمع بدنة سميت لعظم بدنها وهى الإبل خاصة، ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق البقر بالإبل حين قال " البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " فجعل البقر في حكم الإبل صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل وعليه تدل الآية. وقرأ الحسن والبدن بضمتين كثمر في جمع ثمرة، وابن أبي سحق بالضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف، وقرئ بالنصب والرفع كقوله - والقمر قدرناه - (من شعائر الله) أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها (لكم فيها خير) كقوله - لكم فيها منافع - ومن شأن الحاج أن يحرص على شئ فيه خير ومنافع بشهادة الله. وعن بعض السلف أنه لم يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك فقال:
سمعت ربى يقول: لكم فيها خير. وعن ابن عباس دنيا وآخرة. وعن إبراهيم: من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب. وذكر اسم الله أن يقول عند النحر: الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك (صواف) قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن. وقرئ صوافن من صفون الفرس وهو أن يقوم على ثلاث وينصب الرابعة على طرف سنبكه لان البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث. وقرئ صوافي: أي خوالص لوجه الله.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»